الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
أعلى الإسلام من شأن آداب المجالس، وضرورة التقيد والامتثال بها.
وفي المجالس تتعدد أصناف الناس وتتنوع مشاربهم، وتختلف مفاهيمهم وعقلياتهم حتى وصل هذا الداء إلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ فتجد البعض يخوض بلا هوادة في المسائل والأحكام الشرعية، وآخر يقدم وصفات طبية، وفئة أخرى تحلل في الشؤون السياسية، وتنظِّر في الشؤون الاقتصادية والعسكرية، وفريق آخر ربما جمع كل هذه العلوم ويضع معها تفسير الأحلام والرقى دون خوف ووجل من المولى عز وجل، ولا حياء من الناس.
وأصحاب هذه التصرفات والسلوكيات المريضة المشينة تسببوا في تقديم معلومات مغلوطة عن أحكام الشريعة الإسلامية، وأضرار صحية ونفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع، مما يحتم وضع حد لهم، وإيقافهم حتى لا تكون العواقب كبيرة ووخيمة.
«الجزيرة» التقت عدداً من أهل الرأي في مختلف التخصصات ليتحدثوا حول ذلك الموضوع؛ فماذا قالوا؟
تجاوزات وظواهر
يشير الشيخ عايض بن محمد العصيمي الداعية مفسر الأحلام المعروف أن حديث مجالس الناس يقع فيه ما يقع من أخطاء وتجاوزات وظواهر ينبغي أن تحل وتهذب حتى تكون هذه المجالس التي نجلس فيها ممتعة ومفيدة ونافعة لنا جميعاً، ومن العقل والمنطق لكل عاقل حصيف ألا يتحدث في كل شيء فالبعض منا لا يترك شاردة ولا واردة إلا تحدث بها في الشؤون الاقتصادية والعلمية والسياسية والاجتماعية والأسرية والنظامية حتى يثبت للآخرين أنه مثقف ومتحدث وهذا كله خطأ لا يصح, فاحترام التخصص مهم للغاية, وحديث لا تعرفه لا تتحدث فيه حتى لا تأتي بالعجائب والغرائب (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً).
والبعض لا يترك شاردة ولا واردة من الأخبار إلا ويذكرها ويصرح بها أخبار داخلية وخارجية هو يصبح ويمسي على تتبع الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي ليس له هم وعمل إلا تتبع الأخبار كل الأخبار الفنية والسياسية والاقتصادية وبعضها للأسف أخبار محزنة ومخزية ومكذوبة ومغلوطة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم.
ومن القواعد المهمة حفظ أمانات المجالس التي تجلس فيها فلا يليق لك أن تصور منزلاً أو حديثاً أو طعام شخص دون علمه أو في غفوته حتى أصبحت تلك المجالس مصادر للخلافات والمشاكل تصور فيها بعض السقطات والهنات, للأسف الأغلب فينا تأثر بحمى التصوير لإكثار أعداد المتابعين لديه دون اعتبار لأدب الناس ومجالسهم وقيمهم.
يُقضى على المرء في أيامِ محنتهِ
حتى يرى حَسَناً ما ليسَ بالحَسَنِ
وهذه الحمى سيطرت على كل جميل فينا وأصبحت ظاهرة منتشرة كشفت كل شيء حسن وسيء.
أطباء المجالس
ويتحدث من وجهة نظر طبية الدكتور عبدالعزيز بن محمد الحمادي، قائلاً: قلّ أن يكون هناك مجلس إلا وتجد فيه من نصب نفسه حكيماً وطبيباً، يصف لهذا الدواء، ويخبر ذاك عما أصاب فلاناً من الناس، وكيف شفي من مرضه وتعافى بعد أن أكل أو شرب الدواء الفلاني، بل يتفانى البعض منهم بأنه على استعداد لأن يتولى إحضار هذا الدواء المذكور أو توصيله إلى من عنده ليشفى من ذلك المرض.
وهذا الأمر لا يقتصر على مجالس الرجال، بل امتدت هذه الظاهرة حتى إلى مجالس النساء؛ فكم من مسكينة تساقط شعرها، وأخرى شحب وجهها، نتيجة لتناقل معلومات غير صحيحة عن علاج لتساقط الشعر أو لتبييض الوجه, وأدهى وأمر من ذلك حينما يكون لبعض الوصفات آثار سلبية، مضاعفة تزيد من حالة المريض سوءاً وبلاءً أو تصيبه بأعراض جانبية، ويصبح حاله كما في أمثال العرب «يزيدون الطين بلة»، إن هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم أطباء المجالس ويقدمون الاستشارات من دون سؤال، يعرِّضون غيرهم للأذى، ويعرضون أنفسهم لغضب الله، فهم يظلمون أنفسهم، ويظلمون غيرهم بسبب ما ينقلونه من معلومات خاطئة.
والإنسان العاقل هو الذي يستطيع أن يأخذ العلم والحكمة من أهلها، ولو أننا جميعاً وقفنا في وجه هؤلاء وحذرناهم حماية لأنفسهم وحماية لغيرهم لارتدعوا وتوقفوا عن إلحاق الأذى والضرر بالغير، ولكن مع الأسف أن المعلومات الخاطئة تنتقل من مجلس لآخر، ومن ثم تنتشر في المجتمع كانتشار النار في الهشيم، ثم نرى ونلمس أضرار ذلك في عواقب وخيمة جداً تكون وبالاً على من تلقاها بصدر رحب، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي كثر المنظرون والمفتون في كل فن.
واسألوا أقسام الطوارئ بالمستشفيات والمختصين عن ضحايا أطباء المجالس، ومواقع التواصل الاجتماعي.
التكسب بالكذب
ويوضح المهندس محمد بن جابر السهلي المستشار ورجل الأعمال في الشؤون البحرية والمشاريع الزراعية: أن من آفات وفتن هذا الزمان الخوض مع الخائضين والقول بلا علم وحب الدنيا حتى لو اضطر التكسب بالكذب والمبالغة وطلب الشهرة وكثرة المتابعين ولو علم هذا المسكين ما سيناله من غضب الله وأليم عقابه جراء نشر بدعة أو حديث غير صحيح أو دعاية مغرضة أو تسويق سلعة بغير وجه لتوقف عن هذه الأفعال وعلم أنه سوف يحاسب على كل كلمة يدفع بها لوسائل التواصل وما قد تحدثه كلمته من فرقة أو تخبيب أو مضاعفات جراء تطبب بغير علم لتوقف واستغفر وعسى أن يناله توبة ورحمة لأنه لن يستطيع إيقاف هذا البث الذي سيبقى أما في زيادة حسناته أو زيادة سيئاته. وعلى كل من يهم بنشر مقال أو دعاية أو كلمة أن يستشعر يوم وقوفه أمام الله وأن له خصماء تسبب هو في إيذائهم وإغوائهم وخداعهم وغشهم بحديثه ومشاركته، وإن هناك أكفاً ترفع بالليل والنهار إما تدعو له أو تدعو عليه والسلامة من هذه الأبواب غنيمة فقل خيراً أو اصمت.