رمضان جريدي العنزي
هناك مجاميع من الأفاضل النبلاء لا يكلون ولا يملون من البحث والتحري عن الفقراء والمساكين والمعوزين وأصحاب الفاقة والحاجة، يحملون إليهم ما يحتاجون ويدفعون لهم في هذا الشهر الفضيل خاصة وفي كل الشهور عامة، هؤلاء في غاية النبل والبذل والعطاء والإخلاص والتفاني، همهم رضا الله، ويرجون رحمته وغفرانه، ودخول جنانه، والعتق من نيرانه، يسارعون في الخيرات ونجدة الآخرين، وفق نفوس طيبة، وأيدي ندية، ونقاء عمل، وغايات سامية، ديدنهم البر والرحمة والإحسان، والتكافل والتحنن على أصحاب الحاجات.
إن للفقر والعوز والحاجة لوعة وحرقة، وحسرة ومرارة، والتي لا يشعر بها سوى هذا الفقير المعدم، إن الإحسان إلى الناس وتقديم العون والمساعدة لهم وفق المقدرة والاستطاعة، من أعظم القربات إلى الله، ومن مسببات عفوه ورضاه، وسبب دخول الجنة، قصة واقعية عظيمة حكاها النبي -صلى الله عليه وسلم-، قصة إذا تأمَّلها المسلم وجدَ فيها عِبرة وفائدة كبيرة، حاصل هذه القصة: إنَّ امرأة كانت عاصية بعيدة عن الله -سبحانه وتعالى-، خرَجت ذات يوم، فبينما هي تسير في الطريق إذ رأتْ ذلك الكلب الذي اكتوى بالظمأ والعطش، رأت كلبًا معذبًا، قد أنهكه العطش والظمأ، وقد وقَف على بئر ذات ماءٍ، لا يَدري كيف يشرب، يلعق الثرى من شدة الظمأ، فلما رأته تلك المرأة العاصية، أشفقت عليه ورحمته، فنزَلت إلى البئر وملأت خُفها من الماء، ثم سقَت ذلك الكلب، وأطفأت ظمأَه وعطشه، فنظر الله إلى رحمتها بهذا المخلوق، فشكر لها معروفها، فغفر ذنوبها، بشربة ماء غفرت ذنوبها، وبشربة ماء سترت عيوبها، وبشربة ماء رضي عنها ربها، إنها الرحمة التي أسكنَها الله القلوب، إنها الرحمة التي يرحم الله بها الرحماء، ويفتح بها أبواب البركات والخيرات من السماء، بعث بها سيِّد الأولين والآخرين، كما قال ربنا في كتابه المبين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.
إن الذي يطعم المحتاجين، ويدخل السرور عليهم، ويرأف بهم، ويحنو عليهم، حقًا يعيش سعيدًا وهنيئًا ومسرورًا، إن الصدقات والإحسان إلى الناس من أعظم الأمور، التي تفرج الغموم، وتزيح الهموم، وتبعد الكربات والحسرات، ترفع الدرجات، وتحط الخطيئات، وتملأ القلب حبورًا، والروح هدوءًا، إن مساعدة المساكين والفقراء واليتامى والأرامل، والعناية بهم، وسد حاجاتهم، من أعظم الأعمال والقربات، فقد روى الترمذي وصححه الألباني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، وأحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة)، فعجبت عائشة رضي الله عنها لهذا وقالت: لم يا رسول الله؟ فقال: (إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا، يا عائشة: لا تردي المسكين ولو بشق تمرة، يا عائشة: أحبي المساكين وقربيهم، فإن الله يقربك يوم القيامة)، قال تعالى في محكم تنزيله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}.
فلنحرص أيها الناس على إحياء عبادة البر والإحسان والبذل والعطاء والتي تسابق عليها الأنبياء والمرسلون، والصحابة والتابعون، وأن نحب للفقراء والمساكين والمحتاجين ما نحب لأنفسنا، فالدين معاملة ومشاركة وإيثار وتضحية ورحمة.