مشعل الحارثي
النخوة توأم المروءة والشهامة والحمية والفزعة وإحدى مفردات قاموس الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة التي تهدي الناس إلى سلام النفس والطمأنينة وحميمية العلاقة وصدق الالتئام والوئام والانسجام، وتحريك الهمم والعزائم وبعث الحماسة، وهي عنوان شخصيتنا العربية الأصيلة، وأساس سلوكياتنا أينما كنا وحيثما حللنا، وهي تؤدب صاحبها بكل أدب رفيع وترتقي به عن كل فعل وضيع، وهي دليل على عقيدة راسخة صلبة تقاوم كل العواصف والتيارات الجارفة.
الحر يصبر ما أطاق تصبرا
في كل آونة وفي كل زمان
ويرى مساعدة الكرام مروءة
ما سالمته نوائب الحدثان
والنخوة خلق جميل وصفة أكثر التصاقا بالعرب ممن سواهم من الأمم، ولذلك رفعوا من قدرها ونسبوها لأنفسهم وسموها بـ(نخوة العرب)،كما أشار إليها الثعالبي في كتابه (ثمار القلوب) لمالها من أثر فاعل في بث المحبة بين الناس، وحسن التعامل مع الأخر باحترام ومودة ورحمة وإحسان، والمبادرة في تقديم المساعدة دون طلبها لمن يستحقها ومن هو بحاجة لها وبدون مقابل كونها خصلة كريمة متأصلة في النفس لاتباع ولا تشترى، وتدفع صاحبها للحرص على حفظ الأعراض والشرف وأمن المجتمع وسلامته، ومن صورها نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف ومنع الظالم من ظلمه فكانت شجرة مورقة من دوحة الأخلاق الوارفة التي جذرها في الأرض وفرعها في السماء.
فطأطأ بيض الهند من نخواته
وبي يخطم الأنف الأشم إذا انتخى
ولقد عرفت العرب النخوة منذ الجاهلية وكانت من أميز عاداتهم وأحد مقاييس الرجولة لديهم، وجاء تعريفها في معاجم اللغة العربية بأنها مصدر مشتق من الفعل الثلاثي نخا بمعنى افتخر والجمع نخوات أي العظمة والمروءة، واصطلاحاً هي صفة عربية وخلق إسلامي يميز مجتمعاتنا عن غيرها، وتأتي بمعنى الشهامة والقدرة على حمل الأمور العظام، والتصرف عند الحاجة توقعاً للذكر الجميل بين الخلق والخالق.
وعند تعاطينا في التعامل مع الأخلاق والقيم الإنسانية بصفة عامة يجب أن نراعي وندرك أن الناس ليسوا على درجة واحدة ونمط واحد من التفكير والسلوك، واختلاف تعاملاتهم تنبئ عن طباعهم، فمنهم حاد الطبع ومنهم من يكون سهلاً هيناً ليناً قريباً من النفس وكالنسمة العابرة، وقد ورد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض، والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب) وصدق الشاعر عندما قال:
الناس كالأرض ومنها هم
فمن خشن الطبع ومن لين
فجندل تدمى به أرجل
واثمد يوضع في الأعين
ولعل الداعي لكل ما سبق ذكره وشرحه وتبيانه ما شاهدته واستمتعت به من حلقات البرنامج المتلفز (نخوة) الذي يعرض في أيام وليالي رمضان على شاشتنا السعودية فأشعل فينا روح النخوة العربية وعلمنا أن لا نعيش في تنافر ومجازفة تقودنا للانفصال عن ايقاعات الحياة ولحنها العذب الجميل، ومنحنا مفتاحاً نكتشف به قدرة الإنسان على السمو والعلو هذه الميزة التي ما فتئت حياتنا المعاصرة بكل نزعتها المادية المزيفة وطموحاتها الخرافية تحط من شأنها وتكسر مجاديفها وتعيقها من التحليق في آفاق القيم الأصيلة النابعة من تعاليم الدين القويم.
فهنيئاً لبلادنا وللشعب السعودي بهذه القيم الأصيلة التي تبشر بخير رغم كل ما يحيط به من مغريات وتحديات وتجاذبات حضارية إلا أنه أصر على التمسك بها ولم يغير من جلده وثوبه، وجعل هذه القيم والعادات ترسخ من مكانته وتعزز من هويته ونسيجه المجتمعي، وتزيده قوة ومنعة وتسمو به على أساس صلب متين، وتقوده في كل يوم إلى قمة جديدة من قيم العز والمجد والرفعة والشموخ.