رمضان جريدي العنزي
بات من المؤكد أن مسلسل - طاش ما طاش - يكرر نفسه ولم يأت بجديد على مدى سنواته الطوال، وأن النجم مهما علا شأنه وبلغت براعته ومهارته وقدرته، لا يشكِّل أي ضمانة لمواصلة نجاح لأي عمل درامي. ولعل جمهور طاش ما طاش يدركون هذه الحقيقة ويعونها، ولهم القدرة الفائقة على التمييز والمعرفة والتدقيق والتمحيص. إن المتلقي يريد المسلسل الأكثر جدية، والذي يعالج القضايا وفق أسلوب بناء وهادف بعيداً عن السخرية والاستهزاء والتهكم ومحاولة إضحاك الناس على (الفاضي)، وإن كان الهدف والمغزى واهنًا وضعيفًا وبه ركاكة شديدة. إن طاش ما طاش لم يعد يملك مقومات الاستمرار والنجاح، ويا ليته استمر على توقفه ولم يعد العودة البائسة. لقد أصبح المسلسل مسكونًا بالمبالغات والتهيؤات، ومحشوًا بالضبابية غير المبررة، والرمزية غير العقلانية ولا واقعية. وعلى امتداد حلقات المسلسل فإن المتلقي يفتقد فيه أي ملمح من ملامح الفن الجميل، والمفاجآت المدهشة، سواء على مستوى الحوار، أو النص، أو بناء الشخصيات، وذلك لوجود نقص في الطرح العقلاني، فالطرح أغلبه نمطي، يسير وفق خيال احتمالي وليس واقعيًا. إن الدراما الجيدة هي التي تعالج القضايا الاجتماعية وفق رؤية سديدة لواقع معاش، وليس لواقع يشبه الحلم في اليقظة والمنام، الدراما التي تترك في نفس الجمهور أثراً عاطفياً وفكرياً. في السنوات الماضية أثبت هذا المسلسل تراجعاً في كمية القيمة الفكرية والهدف والمضمون والنص المنعش، ولم يعد قادراً على طرح أفكار جديدة تهم أطياف المجتمع. إن نجاح أي عمل درامي مرتبط بظهور أفكار خلابة ومغايرة، وله عوامل تشويق وترويح. إن الدراما الجيدة وسيلة من وسائل التثقيف المهذب، وعامل بناء لتقديم أفكار مدهشة، للأسهام في تعزيز الوعي لدى طبقات المجتمع المختلفة، فبذلك تصبح دراما تقدم رؤية حية وناضجة للحياة، وتحدث تغييراً إيجابياً في التحولات والنظريات. إن الدراما الجادة ليست تهريجاً ولهوًا وعبثًا وسخرية، بل هي أكبر من ذلك وأسمى وأجل. إن الفن منذ أن وجد في المجتمعات القديمة حتى الآن، هو أحد المحركات الأساسية في تغيير إطار الإدراك لدى الجمهور وأنماط تفكيره من خلال تعزيز وعيه للمشكلات الموجود في المجتمع، وذلك عبر تصديرها للشاشة وتركيز الضوء عليها لمعالجتها. إننا كمتلقين لا نريد مسلسل (استهبال) و(عباطة) مكررًا من عشرات السنين وفق رتم ممل واحد، يشبه البطة العرجاء، بقدر ما نرد مسلسلاً هادفًا وبناء يرتقي بالذائقة ويسمو بها.