خليل الصعّاق
في كتابه أصل الأنواع 1859م تحدث تشارلز داروين عن نظريته للتطور والانتقاء الطبيعي والتي تتلخص في أن الكائنات الحية تتغير بيولوجياً وتتطور جينياً لتصبح أكثر تكيفاً مع بيئتها. واعتبر داروين أن البقاء للأصلح من بين الكائنات الحية، فهناك كائنات حية تنقرض وتفنى وهناك كائنات تستمر وتتكاثر.
ومن هذا المنطلق طبق هربرت سبنسر فكرة «البقاء للأصلح» أو ما أسماه «الداروينية الاجتماعية» لشرح التطور الاجتماعي للبشرية وأنه يتجه للتقدم والكمال والمثالية، إلا أن فكرة سبنسر التطورية تتمحور حول قدرة المجتمع على التخلص من أفراده الضعفاء غير القادرين على التكيف مع الظروف الصحية والبيئية والاقتصادية والاجتماعية، وأن البقاء لأفراد المجمع الأفضل بالفطرة.
ولعلي أنقل هذه الفكرة التطورية إلى مستوى آخر من التحليل ليكون مستوى النظم الاجتماعية، ومن مسلمة التغير الحتمي للمجتمعات في أدبيات علم الاجتماع، فقد تغيرت وتطورت «منظومة القيم» الاجتماعية للمجتمع البشري، إلا أنها اندثرت وتلاشت في أحيان أخرى.
فقد تطورت النظم التي تنظم حياة البشر مثل النظام السياسي والاقتصادي ونظم الزواج والقرابة والنظم القانونية..، وذلك منذ شريعة «حمورابي» 1750 ق.م وتعليمات «كونفوسيوش» 550 ق.ب وإلى العقد الاجتماعي 1762م وما بعده من النظم التي استمرت وتطورت لضرورة تواجدها في المجتمع البشري.
وعلى النقيض اندثرت العديد من النظم التي كانت سائدة ومقبولة في وقتها آن ذاك، منذ «كولوسيوم» الرومان 70م والقتل من أجل ترفيه الجماهير، والوأد خشية العار والإملاق، مرورًا بالعبودية والاتجار بالبشر، والشواهد عديدة على نظم تلاشت بفعل «الانتقاء الاجتماعي» الذي استبعدها المجتمع لعدم مناسبتها للتطور البشري.
ولعل هذه المقاربة تبشر بتلاشي واندثار النظم الاجتماعية المشوهة مثل الشذوذ الجنسي والتطرف والعنصرية.. وذلك بفعل «الانتقاء الاجتماعي» الذي لا يبقي إلا الأصلح للمجتمعات البشرية.
** **
- باحث دكتوراه في التغير الاجتماعي