رمضان جريدي العنزي
النوايا والسرائر لا يعلمها إلا الله، فهو المطلع عليها والعارف بها، والله تعالى لا ينظر إلى صورنا ولا أشكالنا، ولا هيئاتنا ولا مظاهرنا، ولا أموالنا ولا عقاراتنا ولا ممتلكاتنا ولا قصورنا، ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، بما فيها من إخلاص وصدق، والله وحده يعلم البواطن والظواهر، والخفيات والجليات، وما يحاك في الصدور، يعلم السر وأخفى، وعليه ينبغي على الإنسان أن لا يعتقد في غيره السوء إلا إذا انكشف بعيان لا يقبل الشك والتأويل، وما يقع في القلب ويحاك في الصدر من الظنون السيئة فإنما الشيطان يلقيه إليه ليعيش في دوامة الشك والظن. أسامة بن زيد رضي الله عنه أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أدرك وتمكن من رجل من قوم عدو له فجعل الرجل يقول (لا إله إلا الله) لكن أسامه قتله، ولما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبخه توبيخاً شديداً لفعلته فكان رد أسامه بأن الرجل قالها ليحصّن نفسه خوفاً من الموت، فقال له صلى الله عليه وسلم: (أفلا شققت عن قلبه؟)، إنها موعظة نبوية بليغة لنا جميعاً في تعاملنا مع الآخرين، لكي نتجنب الكثير من الظنون السيئة، ولكي نريح أنفسنا ونريح الناس، أن الحياة أقصر من أن تكون ميداناً لفوضى الظنون والشكوك، ومضماراً لاقتحام النوايا والقلوب، أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا خالق الكون ومدبره ومسيره، وعلى كل عاقل حكيم أن لا يقحم نفسه بمتابعة الآخرين، والترصد على حركاتهم وأفعالهم وكلامهم، وترك ذلك والاهتمام بالنفس دون غيرها، وأن يحسن المرء الظن ويعيشه، وأن يبتعد عن مستنقع الظن الآسن، والإغراق في الشك البئيس، تجاه كل قول وفعل، وأن يكف عن مراقبة التصرفات بشكل مريب، وأن لا تكون نظرته للناس سوداوية. إن أعلم الناس بدين الله، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمر أن ينقب القلوب، ولا أن يشق الصدور، ولا أن يحكم على الناس بالظواهر، وعلينا بناءً على ذلك إصلاح النية، ومعالجة القصد، ومجاهدة النفس، وتصحيح الإرادة في جميع الأعمال والطاعات، وأن نبتعد كلياً عن متابعة الناس والحكم عليهم من خلال الشكل والمنظر والهيئة، قال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}، اللَّهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء.