د. محمد بن إبراهيم الملحم
في رحلة الطالب لاختيار تخصصه الصحيح والمناسب له، أنوِّه اليوم إلى دور الطالب نفسه وخاصة ذلك الذي في المراحل المتقدمة مثل الثانوية والجامعية، فينبغي له بادئ ذي بدء أن يثقف ذاته في هذا المجال بالاطلاع والتعرف على ما يكتبه المختصون في هذا المجال، ثم يراقب ذاته ويحاول أن يعمل تحليلاً صادقاً شفافاً لشخصيته ولقدراته المعرفية فيعترف بمناطق القصور لديه ويتفهم بكل حيادية وتجرد جوانب الضعف في شخصيته (إن وجدت) فيحكم بعدئذ على قراراته من خلال هذا الفهم الناضج الواعي، ولا شك أنه يستطيع أن يؤكد بعض استنتاجاته حول ذاته بسؤال أقرانه وزملائه المقربين عن ذاته وكيف يرون شخصيته وقدراته، وما تقييمهم لإمكاناته، فإن توافقت رؤاهم حول ما توصل إليه أرشده ذلك إلى صحة استنتاجاته وأكدها له، كذلك يمكنه فعل الشيء نفسه باستشارة بعض معلميه أو والديه أو إخوته بالمنزل بحسب طبيعة العلاقة بينهم ومدى كونها مبنية على الثقة المتبادلة والأريحية في الحوار وتبادل الرأي.
أخيراً أشير إلى أن هناك ممارسة مهمة يغفل عنها كثير من الطلاب ولكن لها أثر مهم في قرارات الطالب، وهي أن يقابل صاحب المهنة المختص (مهندس أو طبيب أو محاسب أو قانوني أو معلم أو إعلامي ...الخ) يكون يعمل في المجال نفسه الذي يفكر فيه وله خبرة كافية ليقدم للطالب الفكرة الكاملة عن طبيعة عمل من ينتمي إلى هذه المهنة فيكون قراره حينها أكثر نضجاً، وإني أدعو الشركات ومواقع العمل باختلاف تخصصاتها ومجالاتها (الهندسية أو الطبية أو المحاسبية إلخ) إلى القيام بمسئوليتها المجتمعية من خلال توفير فرص طلابية للتعرف على طبيعة العمل في تخصصاتها، فيكون هناك مثلاً يوم المهنة أو أسبوع المهنة لزيارة الطالب للمنشأة والالتقاء بالعاملين فيها حيث يقدمون لهم عرضًا شاملاً لممارسات المهنة ويجيبوا على أسئلة الطلاب بما يرضي كل ما لديهم من فضول للتعرف على تفاصيل المهنة ومتطلباتها، وربما أخذوهم في جولة لأماكن العمل لتكتمل الصورة، وهذا من شأنه أولاً أن يزيل كل ما لدى الطالب من لبس في الفهم أو تشويش في التصور حول تلك المهنة، فمثلاً كثيرًا ما يربط الطالب بين مهنة الطبيب وغرفة العمليات مما يجعل بعضهم ممن لا يفضل إجراء العمليات يعرض عن المهنة مع حبه لها بينما الأمر ليس كذلك على إطلاقه، وكذلك يربط بعض الطلاب بين مهنة المهندس والعمل الميداني الشاق وهو أيضاً ارتباط غير لازم بالضرورة، وثانياً سوف يتعرف الطالب على نواح جديدة لم يكن يعرفها قبلاً عن المهنة ربما تمثل له عامل جذب يربطه أكثر بتلك المهنة أو عكسياً ربما يكون سبباً في توقفه عن التفكير فيها لعدم ملاءمة ذلك الجانب لشخصيته تماماً ومن ثم يبدأ في البحث عن غيرها، وكلا الأمرين مفيد وإيجابي للطالب من حيث المعرفة المبكرة لهذه الأبعاد التفصيلية المهمة والتي لو لم يعرفها مبكراً وانخرط في المهنة كانت ستكون مفاجئة صادمة له تجلب الإحباط وتقلل الهمة في العمل، أو في الجانب الآخر لو افترضنا أنه تخصص في مجال ما ثم اكتشف لاحقاً تفاصيل تهمه جدًا عن تخصص آخر أكثر تشويقاً له ويمكنه أن يبدع فيه أكثر، مما يعني فوات تلك الفرصة عليه كونه لم يستوعب تفاصيلها مبكرًا بما فيه الكفاية.
ختامًا أؤكد أن النجاح في اختيار التخصص هو ليس مكسبًا للطالب فقط بحيث يعود عليه بالتفوق في التخصص ثم النجاح في مجال عمله مستقبلاً وإنما هو ضرورة اقتصادية ومن ممكنات تفوق رأس المال البشري الذي هو عماد الاقتصاد الوطني لأية دولة، وفي ظل رؤية المملكة الطموحة والتي ركنها الأساس التحرك خارج إطار الاعتماد على العائدات النفطية والدخول في حلبة قوة الإنتاج والتي قوامها الإنسان (رأس المال البشري)، فإن توفير عوامل النجاح في اختيار التخصص ليست ترفًا أو قيمة مضافة بل هو واجب وركن أساس ينبغي على كل الهيئات والمؤسسات التي تعمل في صناعة تحقق هذه الرؤية أو تضعها نصب عينها وتقوم على تحقيقها كهدف إستراتيجي مهم.