كنت البارحة مع بعض الرِّفاق في سهرة أدبية، فيها الكثير من الأنس والأدب والظُرف! وساقنا الحديث من حيث نشعر وأحيانًا من حيث لا نشعر! المهم أنه ساقنا إلى الحديث عن الأطباء بعد أن ذكر أحد الرِّفاق معاناته من أحدهم! فهذا الرفيق يتشكى من طبيب متكبر، غليظ، ،و متسرع في الكشف! لدرجة أن زميلنا هذا قد هجاه بأربعة أبيات ساخرة! فقلتُ رفِقًا بالأطباء، فهم إخواننا في الأدب، وأصدقاؤنا في الجامعة! فاندهش قائلاً: كيف؟ قلتُ: أتذكر والذكرى تنفعني وتنفعك! أنني أيام دراستي في قسم اللغة العربية بكلية الآداب سقى الله أيامها. أن بعض طلاب الطب كانوا يأتون إلى كلية الآداب، ويدرسون معنا بعض المواد، على أنها مواد حرة لهم، وأذكر أنَّ أحدهم درس معي مادة الشعر العربي الحديث عند أستاذنا الدكتور: نذير العظمة والدكتور نذير كان من أبرز دكاترة الكلية، وأمتعهم عرضًا، وكان يقول لنا إنه سبق نازك الملائكة في شعر التفعيلة! وإن كنت أنا لأحبه، أقصد لا أحب شعر التفعيلة، أمَّا الدكتور نذير فأنا أحبه، لغزارة علمه، وحسن عرضه واحترامه الكبير لنا كطلاب! طيَّب الله ذِكره… وكان هذا الطالب الذي يأتي من كلية الطب من أكثرنا مشاركة وتفاعلاً مع الدكتور! وأذكر أيضًا أن طلاب الطب ( الدوافير) كانوا ينافسوننا في مسابقة المساجلات الشعرية، ياسقى الله تلك الأيام! الأطباء يا رفيقي هم إخواننا في الأدب… إخواننا في الجمال… في المشاعر… فأعراضهم ودماؤهم مُحرَّمة عليك أيها الرفيق الظلوم! وأعيد ياصديقي، فالإعادة تنفعك! الأطباء أكثرهم أدباء، أو هم من محبي الأدب خصوصًا المتنبي، فهم يحفظون شعره ويطربون له… ومن هؤلاء الطبيب السوري: عبدالسلام العجيلي الذي كتب عددًا كبيرًا من الروايات والمجموعات القصصية وهو صاحب المقولة الشهيرة: ما اجتمع أديبان إلا كان المتنبي ثالثهما! ومن الأطباء الأدباء، الطبيب: مصطفى محمود الذي تخصص في الأمراض الصدرية، ثم ترك الطب من أجل عيون الأدب، بعد أن نزل نظام جديد في عهد عبدالناصر بعدم الجمع بين مهنتين! ومصطفى محمود رحمه الله له العديد من الروايات الحالمة وهو الذي كتب بعد مرحلة الشك مجموعة من الكتب التى كلها نور على نور! أيها الرفيق الغشوم الذي ظلم الطب والأطباء، و هجاهم: لا أنسى أن أذكرك بالشاعر الرقيق الطبيب: إبراهيم ناجى صوت الرومانسية والكلمة الرقيقة: فإن مُلِئت عروقٌ من دماءٍ فإنَّا قد ملأناها حنيناسمعت بشطر بيت أرق من هذا؟ إبراهيم ناجي رحمه الله هذا الشاعر الحالم تُوفي وهو يكشف على مريض! هل تدري كم كان عمره عندما توفي؟ كان في الرابعة والخمسين -رحمه الله- ومع هذا فقد بهر النُّقاد بشعره! يارفيقي الظلوم: هل تريد أن أعطيك أمثلة على أطباء سعوديين نبغوا في في عالم الأدب؟ تفضل: هذا الطبيب الجراح؛ منذر القباني الذي أخرج عددًا من الروايات الشيقة ومنها الثلاثية: حكومة الظل، و فرسان وكهنة، وعودة الغائب! هذه الروايات التي طار بها النقاد ومرت فترة طويلة وهم يتحدثون عنها وعن جمالها، وعن قدرة الكاتب على تمرير عدد من الموضوعات المسكوت عنها بأسلوب مثير دمج فيه عددًا من الأزمنة في رواية واحدة، وعدَّ بعض النقاد رواية حكومة الظل بمثابة المولد الحقيقي لرواية التشويق والإثارة في العالم العربي والبعض الآخر شبهها برواية شيفرة دا فينشي! و بعض المنتديات أطلقت على مؤلفها لقب: دان براون العرب، أيام المنتديات يا سقى الله تلك الأيام! و يا سقى الله منتدى( تعب قلبي) الذي كنا نكتب فيه جميعًا إن كنت قد نسيت فما نسيت أنا مقالاتي عن: ليلى المريضة في السويدي! تلك المقالات التي كنت أكتبها وأنا أبكي( وأقطر رومانسية) ليتني أنساها، ليتني أنساها ولكن هيهات! و لعلي يا رفيقي الذي ظلم وطغى أذكر لك طبيبًا أديبًا من جيل الشباب وهو طبيب متخصص في أمراض الكلى عند الأطفال هو الطبيب الأديب: عدي الحربش الذي تعلق قلبه بحب اللغة العربية وأدبها، فأخرج عددًا من المجموعات القصصية التي امتازت بجمال السرد، وباستحضار الشخصيات التاريخية لتعطيها عمقًا وبعدًا مثيرًا، يكتشفه القارئ فيتفاعل معه بدهشة! يا رفيقي: هؤلاء (نقوة) على سبيل المثال لا الحصر من الأطباء الأدباء، وهم إخواننا في الأدب! إخواننا في الجمال. إخواننا في السرد والخيال. لهم مالنا، وعليهم ما علينا! ولعلي يا رِفاق أختم لكم بهذه الطرفة: لقد سألت أحد أطباء القلب المشهورين: عندما تفتح صدر المريض وترى قلبه، ونياطه هل تعرف أنه قلب عاشق قد أهلكه العشق؟ فَحَرَّك نظارته للأعلى، فقال: وهل يُقَطِّع قلوبَ الرجال إلا المِلاح؟! نُقاتِلُ أَبطالَ الوَغى فَنُبيدُهُمْ ويَقتُلنا في السِلمِ لَحظُ الكَواعِبِ
** **
- راشد بن محمد الشعلان