خالد بن حمد المالك
كانت «الرياض» على موعد هذا الأسبوع مع حدثين مهمين، الأول عن العلاقات السعودية - السورية، والثاني عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين دولة قطر ومملكة البحرين، ما شكَّل استكمالَ حلقاتِ التصالح بين الدول الشقيقة على نحو ما تم الإعلان عنه.
* *
ومن الطبيعي أن يتم ما حدث، فالخلافات بين الأشقاء هي الاستثناء، أما الأخوّة والوئام والمصالحة فهي الأساس، وهذا ما تم إنجازه نهاية هذا الأسبوع في مدينة الرياض، بعد أن زالت بعض أسباب الجفوة، وأبدت الأطراف استعدادها لمعالجة ما تبقى من تباين في وجهات النظر.
* *
ففي الشأن السوري بدأت إجراءات استئناف الخدمات القنصلية، والرحلات الجوية بين الرياض ودمشق، وخلصت المباحثات بين الجانبين إلى التوجه نحو تحقيق تسوية شاملة في سوريا، ودعم الدولة السورية لبسط سيطرتها، وإنهاء وجود الميليشيات والتدخلات الخارجية في البلاد.
* *
وفي البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة وزير خارجية سوريا الدكتور فيصل المقداد إلى المملكة، ومباحثاته مع وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود تمت مناقشة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية تساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.
* *
ومن حرص المملكة على سوريا والسوريين ركَّز البيان على وحدة سوريا، وعلى أمنها واستقرارها، وسلامة أراضيها، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم بأمان، وإنهاء معاناتهم، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، والتوجه نحو المصالحة الوطنية.
* *
أما في الشأن البحريني القطري فقد اجتمع الجانبان في الرياض في مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبعد الاجتماع أعلن عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين الشقيقتين، وأن هذه الخطوة تأتي انطلاقاً من الرغبة المتبادلة في تطوير العلاقات الثنائية، وتعزيز التكامل والوحدة الخليجية، واحتراماً لمبادئ المساواة بين الدول، والسيادة الوطنية والاستقلالية، والسلامة الإقليمية، وحسن الجوار.
* *
يأتي ذلك بينما تمت عودة العلاقات بين المملكة وإيران، وبدأت المباحثات بين الأطراف اليمنية للتخلص من آثار الحرب المدمرة، والتوجه نحو المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية من كل الكيانات، وجهود أخرى لتنخرط تركيا ضمن الدول في هذا الحراك الذي يؤمِّن للمنطقة الأمن والاستقرار.
* *
ومن الواضح أن للمملكة دوراً طليعياً في تحقيق ما تحقق، وأنها بوزنها السياسي والاقتصادي، وأهميتها كدولة تقود العالم الإسلامي تقوم وتحرص وتعمل على أن تكون العلاقات بين دول المنطقة في أحسن أحوالها، تحقيقاً للمصالح المشتركة، وبما يعزِّز أمن واستقرار دولها.
* *
وبانتظار الاجتماع الموسع الذي سيُعقد بالمملكة ويضم دول مجلس التعاون ودولاً عربية أخرى، للنظر في عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، فها هي المملكة التي سوف تحتضن هذا الاجتماع، وحيث هي من سيعقد على أراضيها القمة العربية القادمة سوف تضع كل جهودها في سبيل تحقيق مصالح الأمة العربية، بالتئام شملها على المحبة، ووحدة قرارها وتوجهاتها.
* *
ووفق هذا المناخ الجميل الذي يسود المنطقة، وقناعة كل الدول بأن الحوار هو أفضل وسيلة لمعالجة أي خلاف أو تباين في وجهات النظر، وأن الجميع يتفق على أن الحروب والخصومات وقطع العلاقات ليست التصرف الصحيح والسليم لخدمة أي دولة من دول المنطقة.
* *
والمملكة إذ تقود هذا المسار الطيب، وتضع كل إمكاناتها وقدراتها ووزنها الكبير في المنطقة في خدمة ما يوفر الأمن والسلام والرخاء لكل الأشقاء، فهي من ستظل المرجعية لأخذ المشورة منها في كل ما يستجد من تطورات تقتضي التدخل من الرياض لفك أي خلافات قد تطرأ في المستقبل.
* *
وخلال هذا الأسبوع، وعلى هامش أن المملكة هي المرجعية في كثير من القضايا الإقليمية والدولية لاحظنا وجود المسؤول الأول عن الأمن القومي في أمريكا، وعضو من مجلس الشيوخ الأمريكي في زيارتين منفصلتين، ما يؤكد أهمية الدور السعودي في المنطقة وعلى مستوى العالم.
* *
ودون أن ننسى، فلا بد من الإشارة والتذكير إلى الحضور السعودي في صنعاء ضمن جهود الرياض لإتمام المصالحة بين اليمنيين، وإيقاف الحرب بينهم، وأن ما تم حتى الآن يظهر رغبة الأطراف اليمنية في الوصول إلى حل لخلافاتهم، وأن تدخّل المملكة يساعد على بلورة اتفاق ينهي الأزمة فيما بينهم.
* *
وهكذا هي المملكة، لا تتردد في دعم ومساعدة ومساندة الأشقاء في تجاوز ما قد يكون بينهم من خلافات، وأن إمكاناتها الكبيرة ستظل في خدمة الجميع، لمنع أي تصعيد شيشغل الدول عن التنمية، وتبديد ثرواتها في حروب لا طائل منها.