بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:
لما كان الترابط والتكافل والتآخي أصلًا أصيلًا من أصول ديننا الحنيف، انطلاقًا من قاعدة الأخوة الإسلامية التي أقرّها الله جلّ وعلا بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم وتعاطفِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالحمى والسهرِ).
ومظاهر التكافل والترابط في المجتمع الإسلامي كثيرة ومتعددة منها التكافل المعنوي كالبدء بالسلام، وبشاشة الوجه، ولين الجانب، ومحبة الخير، والنصح، وغير ذلك. ومنها التكافل المادي العيني كالزكاة والصدقات، ومنها زكاة الفطر. وزكاة الفطر عبادة جليلة، وشعيرة من شعائر الله عز وجل نستعرضها في هذا الحوار القصير مع فضيلة الشيخ أ. د عبدالله بن محمد الطيار، مفوض الإفتاء بمنطقة القصيم.
* ما المراد بزكاة الفطر؟
- زكاة الفطر صدقةٌ مُقدَّرة عن كلِّ مسلمٍ تُخْرَجُ قبل صلاةِ عِيدِ الفِطر في مصارِفَ معيَّنة، ويُقال لها أيضًا: صدقة الفطر، وأضيفت الزكاة إلى الفطر؛ لأنه سبب وجوبها، وقيل لها فطرة؛ لأنها من الفطرة التي هي الخلقة.
* وما الحكمة من مشروعية زكاة الفطر؟
- الحكمة من مشروعية زكاة الفطر ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:(فرضَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكاةَ الفطرِ طُهرةً للصّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطعمةً للمساكينِ..) فهي طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وجبرٌ لما يعتري الصوم من القصور، وشكرٌ لله عَزَّ وجَلَّ على إتمام الشهر، وطُعْمَةٌ للمساكين في هذا اليوم الذي هو يوم عيدٍ وسرور، فكان من الحكمة أن يُعْطُوا هذه الزكاة من أجل أن يشاركوا الأغنياء في الفرح والسرور.
وكذلك فهي زكاةٌ للبَدَنِ؛ حيث أبقاهُ اللهُ تعالى عامًا مِنَ الأعوامِ، وأنعَمَ عليه بالبَقاءِ؛ ولأجْل ذلك وجبَت للصَّغيرِ الذي لا صَومَ عليه، والمجنونِ، ومَن عليه قضاءٌ قبل قضائِه.
ومن الحِكَمِ أيضًا: أنَّها مِن شُكرِ نِعَمِ الله على الصَّائمينَ بالصِّيامِ، كما أنَّ مِن حِكَمِ الهدايا شُكرُ نِعمةِ اللهِ بالتَّوفيقِ لحجِّ بيتِه الحرامِ، فصَدَقةُ الفِطرِ كذلك؛ ولذلك أُضيفَتْ إلى الفِطرِ إضافةَ الأشياءِ إلى أسبابِها، وكذلك يحصلُ الثَّوابِ والأجْرِ العظيمِ بِدَفعِها لِمُستحقِّيها في وَقتِها المحدَّدِ؛ لِمَا جاء في حديثِ ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (فمَن أدَّاها قبل الصَّلاةِ؛ فهي زكاةٌ مقبولةٌ ومَن أدَّاها بعد الصَّلاةِ؛ فهي صدقةٌ مِنَ الصَّدَقاتِ).
* وما حكم زكاة الفطر؟
- زكاة الفطر واجبة؛ لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: (فرَض رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- زكاةَ الفِطر صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ على العبدِ والحُرِّ، والذَّكرِ والأنثى، والصَّغير والكبيرِ مِنَ المسلمينَ، وأمر بها أن تُؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ)، وفي لفظٍ آخَرَ: (فرَض رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- صدقةَ الفِطرِ صاعًا من شَعيرٍ، أو صاعًا مِن تَمرٍ، على الصَّغيرِ والكبيرِ، والحرِّ والمَملوكِ).
* وعلى من تجب زكاة الفطر؟
- تجب زكاةُ الفِطرِ على كلِّ مسلمٍ، صغيرٍ أو كبيرٍ، ذكرٍ أو أنثى، حرٍّ أو عبدٍ.
لما مرّ من حديث ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَضَ زكاةَ الفِطرِ صاعًا مِن تَمرٍ، أو صاعًا مِن شَعيرٍ، على كلِّ حرٍّ أو عبْدٍ، ذكَرٍ أو أنثى من المُسلمينَ). وقد نقَلَ ابنُ قُدامةَ -رحمه الله- الإجماع على ذلك.
* وما وقت إخراج زكاة الفطر، وما السنة في ذلك؟
- تجب زكاة الفطر بغروب الشمس ليلة العيد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ).
والسنة إخراجها قبل صلاة العيد؛ لقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، والمراد بمن تَزكَّى: مَن أدَّى صدقةَ الفِطرِ، ثمَّ غدا ذاكرًا لله إلى المصلَّى فصلَّى، قال ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أمَر رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بزكاةِ الفِطرِ أن تُؤدَّى قبل خُروجِ النَّاسِ إلى الصَّلاةِ).
* وهل يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين؟
- الراجح من أقوال الفقهاء: أنه يجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كانوا يعطون صدقة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين).
* وهل تسقط زكاة الفطر بخروج وقتها؟
- لا تسقط زكاة الفطر بخروج وقتها؛ لأنها وجبت في ذمة المزكّي لمن هي له وهم مستحقوها، فهي دين لهم لا تسقط إلا بالأداء، فيخرجها ولو بعد وقتها صدقة من الصدقات، أما حق الله في التأخير عن وقتها فلا يجبر إلا بالاستغفار والتوبة.
* وما القدر الواجب إخراجُهُ في زكاة الفطر؟
- القَدْرُ الواجِبُ في زكاةِ الفِطرِ صاعٌ مِن طَعامٍ، وهو مَذهَبُ جُمهور أهل العلم؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: (كنَّا نُخرِجُ زكاةَ الفِطرِ إذ كان فينا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شَعيرٍ، أو صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا من زَبيبٍ، أو صاعًا من أقِطٍ، فلم نزلْ نُخرِجُه حتى قدِم معاويةُ المدينة، فتكلَّم، فكان فيما كلَّمَ به النَّاسَ: إني لأرى مُدَّينِ مِن سَمراء الشَّام تعدِل صاعًا مِن تَمرٍ، قال: فأخذ النَّاسُ بذلك. قال أبو سعيد: فلا أزالُ أُخرِجُه كما كنتُ أخرِجُه)، وأما جنس ما تخرج منه زكاة الفطر فيكون في أغلب القوت الذي يقتاته الناس، كالأرز، والعدس والفول، والقمح، والشعير، والتمر، والأقط، وغيره مما يقتاته الناس.
* وأين تُخرج زكاة الفطر؟
- تُخرج زكاة الفطر إلى فقراء المكان الذي فيه المزكّي وقت الإخراج سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين لا سيما إذا كان مكانًا فاضلًا كمكة والمدينة أو كان فقراؤه أشد حاجة، فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه، أو كان لا يعرف المستحقين فيه وكَّل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق.
وبناء على ذلك فمن أقام في بلاده أكثر رمضان ثم سافر في آخره إلى بلد أخرى، فالأولى له أن يدفعها إلى فقراء البلد الذي تجب عليه فيه، وهو غروب شمس آخر يوم من رمضان، فمن كان في أي بلد من بلاد المسلمين وأتى إلى مكة في رمضان، فالأفضل أن يدفعها إلى فقراء الحرم إذ وجبت عليه في المكان نفسه وهو فاضل، وإن دفعها إلى فقراء بلده الذي يقيم به أكثر السنة أجزأته ولكنه خلاف الأولى.
والحاصل أن زكاة الفطر متعلقة بالبدن، فأينما وجد البدن أخرجها في المكان الذي هو فيه.
*ولمن تُدفع زكاة الفطر؟
- زكاة الفطر خاصة للفقراء والمساكين إلا إذا اقتضت المصلحة صرفها لأحد مصارف الزكاة الثمانية من غير الفقراء والمساكين، ورأى الإمام أو نائبه ذلك.
* وهل يجزي في زكاة الفطر إخراج القيمة؟
- لا تجزي القيمة في زكاة الفطر، وهو مذهب جمهور أهل العلم؛ لحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: (كنَّا نُخرِجُها على عَهدِ رَسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- صاعًا مِن طعامٍ، وكان طعامُنا التَّمرَ والشَّعيرَ، والزَّبيبَ والأقِط)؛ ولأنه لم يرد نص بذلك، ولأن القيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا عن تراض منهم، وليس لصدقة الفطر مالك معين حتى يجوز رضاه أو إبراءه، ولكن إذا كان المسلم في بلد يفتي علماؤه بجواز إخراج القيمة، فلا حرج عليه أن يخرجها نقودًا في عملة بلده حسب فتوى علماء بلده.
* وهل يجوز إخراج زكاة الفطر عبر منصة إحسان؟
- منصة إحسان هي منصة وطنية أطلقتها الدولة -حفظها الله- تستقبل أموال الزكاة والتبرعات والصدقات وتوصلها لمستحقيها، ولا حرج في دفع زكاة الفطر إليها لمن لا يتمكن من دفعها بنفسه، وتبرأ ذمته بدفعها عبر هذه المنصة الرسمية.