العقيد م. محمد بن فراج الشهري
ثماني سنوات وأكثر مرّت على الشعب اليمني، كانت أسوأ السنوات التي تمر عليه وعلى شعبه.. كانت سنوات كئيبة للغاية أحرقت الأخضر واليابس وحولت اليمن السعيد إلى اليمن المعذب..كانت حرب دمار شامل لكل ما هو حي.. تيتم أطفال، وتشتت أسر، وتهتكت وانعدمت البنية التحتية، وعاد السكان لحياة القرون الوسطى بل وأشد نتيجة لنزاعات طائفية، وقبلية، وتعدد الأحزاب، والتوجهات وتشكلت قوات، وتشتت قوات، ولم نعد نعرف أو تعرف بين هذا وذاك.. لقد تسببت هذه الحرب التي استمرت لأكثر من ثماني سنوات في حصد الآلاف من الأرواح بشكل مباشر وغير مباشر... ونتج عنها ما وصفته الأمم المتحدة بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم رغم أنها لم تقدم شيئا لليمنيين بل زادت نكباتهم بقراراتها وتهاون منظماتها، بل وزادت الطين بلّة ولم تقدم شيئا حاسما لليمن، وفي أواخر الشهر تحل الذكرى التاسعة لاندلاع حرب اليمن في عام 2015م وسط اختلاف شبه كلي في ملامح المشهد العسكري والسياسي للنزاع عما كانت عليه خلال الأعوام الثمانية الماضية، وربما يكون التوصيف الأدق لما يشهده اليمن في هذه المرحلة هو أنه يعيش حالة من اللاّ حرب واللاّ سلم بعد فترة من هدنة جرى تمديدها لعدة أشهر، واستمرت بعد الإعلان عن تعذر تجديدها في الثاني من اكتوبر الماضي، من خلال هدوء نسبي تخللته بعض المواجهات المسلحة من مكان لآخر، ودخول النزاع في اليمن عامة التاسع جاء أيضاً في ظل متغيرات محلية، وإقليمية، ودولية معقدة يتعذر معها التكهن بانعكاساتها المحتملة لتلك المستجدات على مستقبل الصراع في هذا البلد المضطرب، الذي أنهكته الحروب والنزاعات، وهناك متغيرات داخلية حدثت ربما تغير من سير الأمور بشكل عام، فعلى جانبي الصراع طرأت تحولات غيّرت من صورته إلى حد كبير إذ يبدو اليوم واضحاً للعيان أن المعسكر المنادي لحركة أنصار الله الحوثية يعاني بشكل متزايد من الانقسام والتفكك، ومن انعدام التجانس، وتناغم الأداة بين مكونات قيادته بعد أن حلّ مكان حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي مجلس قيادي تنفيذي من ثمانية أعضاء يمثل أغلبهم أذرعاً عسكرية بعضها متحالف بينما يعتمد الآخر على الدعم والتمويل من قبل جهة ثانية، إلا أن حِدّة الخلاف بين هذه المكونات قد تراجعت ولم تعد كالسابق لكن هذه العناصر لم تستطع حتى الآن أن تعمل مجتمعة بما يجعلها تبدو جبهة متماسكة ومتناغمة الأداء في مواجهة الحوثيين.. ولكن آن الأوان لنهاء النزاع الذي طال دون فوائد تذكر لأي طرف، وشعر الجميع بأن العودة إلى السلام والسلم وطاولة المفاوضات هو الحل الوحيد الذي يمكن أن يجنب اليمنيين مزيداً من الكوارث، ولذلك عملت المملكة العربية السعودية بكل جهودها وطاقاتها لاحتواء هذه الأزمة بأسلوب الحكمة، والصبر، والتأني كما فعلت مع إيران وحالياً يتواجد وفد سعودي، وعماني في صنعاء لتقريب وجهات النظر، وإحياء الهدنة الأممية التي توقفت منذ مطلع اكتوبر الماضي، وبحث سبل إنهاء النزاع، والعودة إلى العقل والحكمة والمنطق، والواضح أن أجواء السلام باتت تخيّم على المنطقة مما يبعث على التفاؤل والأمل في ظل الجهود المتكررة التي تبذلها المملكة العربية السعودية من أجل استعادة اليمن وضعه الطبيعي وانتشاله من الفقر والعوز، والتشتت والانقسامات، وهذا هو ديدن السعودية مع كل الأشقاء دائماً وأبداً.. لذلك نأمل أن تستجيب الأطراف المتحاربة لصوت العقل والحكمة، والمنطق وأن يكون هذا العام هو عام السلام وإلقاء السلاح، والتعاون لإعمار اليمن، وعودته إلى عروبته بعيداً عن التشتت والانهيار..