منصور ماجد الذيابي
مع اندلاع الاشتباكات المسلحة مؤخرا بين قطبي المحور العسكري في السودان وهما الجيش الوطني السوداني وقوات الدّعم السريع خلال الأيام القليلة الماضية إنما يذكّرنا بقوات حزب الله اللبناني التي ما زالت تعمل وتتلقى تعليماتها بمعزل عن الجيش الوطني، وترفض دعوات الحكومة لدمجها مع قوات الجيش اللبناني، وتتلقّى الدّعم من دولة إقليمية لكي تكون ذراعا لها فيما يسمى بمحور المقاومة والممانعة في المنطقة العربية كما أشرت إلى ذلك في مقال سابق بعنوان «محور المقاومة والممانعة».
وفي تقديري أنه ما لم يتم دمج قوات حزب الله في الجيش اللبناني فقد نشهد أيضا اندلاع اشتباكات مسلحة بين الجانبين، ويعود لبنان بعد ذلك إلى مربع الحرب الأهلية قبل عقود من الزمن.
وكما ذكرت أيضا في مقال سابق بعنوان «الاستثمار الأجنبي في مناطق التوتر»، فإني أتساءل هنا من خلال صحيفة الجزيرة عمّن تكون الجهة الخارجية التي ربّما استغلّت الأوضاع المتوتّرة والخلافات بين كبار القادة العسكريين للقوات العسكرية السودانية وأعطت الضوء الأخضر لهذه المواجهة عسكرياً في السودان مثلما حدث في ليبيا ابّان تواجد القوات التركية آنذاك بطلب من حكومة السرّاج عام 2019 تقريبا وأدّت الخلافات الليبية حينذاك إلى حدوث اشتباكات مسلحة بين الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر وفصائل ليبية مسلحة تتبع لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا من بينها عناصر من المرتزقة الأفارقة إلى جانب قوات عسكرية تركية وأخرى تابعة لشركة فاغنر الرّوسية.
بقي أن أقول إنه من المرجّح أن تكون بعض الدول الأجنبية وراء تفجير الوضع في السودان لإشعال فتيل الأزمة بين القوى العسكرية والكيانات السياسية المختلفة لزعزعة استقرار المنطقة بهدف اشعال الحرائق وبالتالي خلق ذريعة لإيجاد موطئ قدم يسمح لهذه الدول بالتواجد والتوغّل والهيمنة على مقدّرات المنطقة العربية كما أوضحت في مقال سابق بعنوان «ماذا بعد اشعال الحرائق في الشرق الأوسط؟»، لا سيما وأن السودان يقع على أهم الممرّات المائية في الشرق الأوسط.
وحينما تصدّع البنيانُ وزلزلت أركانه
تفجّر الصراعُ ما بين بكرٍ والتغلبيّ الزيرُ
من ليبيا للشّامِ فالسودانِ واليمن
حرائقٌ أوقدها الشيطانُ وابنه الصّغيرُ
وربما كنّا سنشهد المزيد من تفاقم الأوضاع الأمنية واندلاع الاشتباكات المسلّحة في عالمنا العربي لولا حكمة وحنكة ورؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تمكّن مؤخرا بما يملكه حفظه الله من نظرة ثاقبة لأبعاد المشهد العالمي بحيث انتهج سموّه سياسة احتواء الأزمات واعادة العلاقات وانهاء الخلافات في المنطقة العربية ما أدّى إلى قطع الطريق على التدخّل الأجنبي في المنطقة، الرّامي إلى خلق نزاعات مسلحة كما حدث ويحدث في أوكرانيا منذ نحو عامين حيث لا تزال دول غربية تغذّي هذه الحرب بكل أشكال المعدات والآليات العسكرية لإطالة أمد الحرب بين طرفي النزاع.
كل هذه التحرّكات الاستباقية للقيادة السعودية الحكيمة أثمرت في واقع الأمر عن اعادة ترتيب البيت العربي وتخفيف حدّة التّوترات وكذلك وقف نزيف الدماء لأجل تحقيق الاستقرار وارساء السلام الإقليمي وبالتالي اجهاض مخطّطات الأجندة الخارجية في المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط.
ولذلك نأمل أن يجلس الفرقاء في السودان الشقيق على طاولة المفاوضات واطلاق عملية تحاورية تفضي إلى العودة إلى مبدأ الالتزام بالاتفاق الإطاري بينهما واكمال المسيرة السياسية باتجاه تشكيل حكومة توافق وطني تنهي سنوات النّزاع والصراع على السلطة، وترسم خارطة طريق جديدة لإنهاء معاناة الشعب السوداني الشقيق وارساء الأمن والسلام في كل ربوع السودان بما يضمن للشعب السوداني تحقيق مطالبه المشروعة ويحقّق للأجيال القادمة كل مقوّمات الحياة الاقتصادية الكريمة.