رضا إبراهيم
منذ نحو ثلاثة عقود وزيادة، ومع تطور علم الفيزياء الفلكية، كان هناك اعتقاد راسخ لدى علماء الفلك بوجود كواكب حول نجوم أخرى، وأثناء تلك الفترة وطوال تاريخ علم الفلك، أدى هذا الاعتقاد لبروز فكرة مركزية الأرض، أي أن الأرض هي مركز الكون، وعقب اكتشاف الكواكب الخارجية، بات من المعقول توقع طرد بعض الكواكب من مواقع ولادتها إلى الفضاء بين النجوم.
وتشير الدراسات الديناميكية للنظام الشمسي، إلى أن كواكبها الحالية لها مدارات مستقرة حول الشمس في المستقبل المنظور، ومع ذلك كان من الممكن زعزعة استقرار العديد من المدارات الأخرى، بسبب اضطرابات الجاذبية من الكواكب الأخرى، وبالأخص كوكب «المشترى»، أو من نجم عابر بالنظام الشمسي الخارجي، ويمكن أن يكون الانتقاء الطبيعي للمدارات المستقرة، قد شكل البنية المدارية للكواكب المتبقية بالنظام الشمسي.
وفي الثاني والعشرين من ديسمبر عام 2021م وفي دراسة لهم أعلن علماء الفلك، أنهم وجدوا بأحد الأماكن الكونية ما بين (70 - 170) كوكباً مارقاً أي «عائماً بحرية» وهي كواكب لا تدور حالياً حول نجم، وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن عدد الكواكب المارقة بحجم المشترى، يعادل عدد النجوم التي توجد بالكون المنظور, وهذه الكواكب تتميز بأنها مكونة من نحو (30) نجماً تشترك بنفس العمر، ونفس التركيب الكيميائي، وتتحرك معاً في الفضاء.
وهذه الكتلة من الكواكب المنفصلة، كل منها بحجم كوكب المشترى تقريباً، تقع في منطقة من مجرة درب التبانة تُعرف باسم «رابطة نجم العقرب العلوي» وقد قام فريق علماء الفلك باستخدام الملاحظات والبيانات الأرشيفية من التلسكوبات حول العالم وبالفضاء لإجراء اكتشافاتهم، وفحصوا نحو (80) ألف صورة واسعة النطاق، التقطت على مدار عقدين من الزمن، والمعلوم أن الكواكب المارقة لا تلتزم بالقواعد، بل تتجول بالكون بمفردها دون التقيد بأي نجم مضيف.
ومن جامعة «بوردو» بفرنسا أجرت نوريا ميريت رويج وهيرفي بوي إحصاءً للنجوم والأقزام البنية والكواكب المارقة، التي تزيد عن أربعة كتل «المشترى» بمنطقة العقرب العليا، وفي الدراسة الجديدة بحث العلماء عن الكواكب المارقة، التي كانت لا تزال شابة في غضون بضعة ملايين من السنين من تكوينها، وفي العادة لن يكون الكوكب غير القريب من نجمه الأم مرئياً لعلماء الفلك دون مصدر يضيئه، لكن هذه الكواكب الصغيرة، لا تزال ساخنة بدرجة كافية كي تتوهج.
لذلك بحثت ميريت رويج وفريقها عن صور مباشرة لهم بكاميرات حساسة، على تلسكوبات كبيرة، وقاموا بقياس نقاط الضوء في الأطوال الموجية الضوئية، والأشعة تحت الحمراء القريبة بمنطقة العقرب العليا، وقاموا بدمج القياسات مع الحركة التي اكتشفوها، وعلى ذلك تؤكد ميريت رويج قائلة (قمنا بقياس الحركات الدقيقة والألوان واللمعان لملايين من المصادر بمساحة كبيرة من السماء، وقد سمحت لنا تلك القياسات، بالتعرف بشكل آمن على أضعف الأشياء في هذه المنطقة).
وفي ذات الوقت، أبدى العديد من العلماء أيضاً تساؤلات عديدة، عن كيفية ظهور هذه الكواكب المارقة، وهل تم طردها من نظام شمسي مثل نظامنا، أم أنها تشكلت من انهيار سحابة غاز كانت أصغر من أن تظهر نجماً ما، وذلك يطرح أيضاً السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه بعد، وهو إذا كان الكوكب المارق لا يدور حول نجم، ولم يتشكل في الأصل حول نجم، فهل لا يزال بحكم التعريف كوكباً ؟، وعلى حسب ما أوضحت رويج فإذا كان أصل الكواكب المارقة ناتجاً عن طرد من نظام نجمي، فهذا يشير إلى أنه قد يكون هناك وفرة من الكواكب العائمة بحجم الأرض، لذلك تُعد الكواكب ذات الكتلة المشترية العائمة بحرية هي الأكثر صعوبة في الإخراج.
ما يعني أنه قد يكون هناك المزيد من الكواكب، ذات الكتلة الأرضية الحرة، التي تتجول في المجرة، ومع وجود نقطة حمراء ساطعة صغيرة، تدل على أحد الكواكب المارقة الجديدة بوسط هذه المنطقة الصغيرة من السماء في اتجاه كوكبة العقرب العليا، فعادةً ما يكون من المستحيل تصوير الكواكب التي تطفو على السطح بعيداً عن أي نجم ينيرها، ولكن بعد فترة وجيزة من تشكيلها، تنبعث منها وهجاً خافتاً تستطيع الكاميرات الحساسة على التلسكوبات القوية اكتشافه.
وترجع البداية إلى عام 2009م عندما أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) التلسكوب الفضائي (كيبلر) في مهمة للعثور على كواكب تشبه الأرض، تدور حول نجوم مختلفة، لكن في عام 2012م رصد التلسكوب جسماً ذا كتلة كوكبية حرة الطفو على بعد حوالي (100) سنة ضوئية من الأرض، واستخدم الباحثون تقنية عدسة الجاذبية الضعيفة، وتعني أن الضوء ينحني حالة مروره على مقربة من جرم سماوي كبير، مثل أحد الكواكب المارقة.
وكانت الكواكب التي لا تتبع أية نجوم، قد تم تعريفها كفئة جديدة من الكواكب في عام 2011م، لكن ككواكب غازية عملاقة، بدلاً من أن تكون كواكب صخرية مثل الأرض أو المريخ، حيث تعمل جاذبية الكواكب على اعوجاج الفضاء المحيط به، ما يجعل تلك المنطقة المحيطة تبدو مثل عدسة مكبرة كبيرة، وعند مرور تلك العدسة الزجاجية الكبيرة أمام أحد النجوم أثناء مراقبته من خلال تليسكوب على سطح الأرض فإن النجم سيصبح أكثر سطوعاً، ولكن لفترة زمنية قصيرة، وكلما زادت المدة الزمنية لذلك السطوع، كلما كانت قوة جاذبية الكوكب المتسببة في تشويه صورة النجم أكبر.
وكان الكوكب (CFBDSIR 2149) هو أول اكتشاف للكواكب المارقة، حيث إن قربه ساعد علماء الفلك على معرفة المزيد عن هذه الحالات الشاذة الكوكبية، ويعتقد بعض العلماء أن هذه الكواكب، يمكن أن تكون قادرة على (استضافة الحياة)، ورغم كل تلك الصعاب، فالجديد في الظاهرة هو استخدام الفريق الذي يقف وراء الاكتشاف الأخير، بيانات تمتد على مدى (20) عاماً من عدة تلسكوبات أرضية وفضائية، كالتلسكوب الكبير جداً التابع لمرصد الفضاء الأوروبي في تشيلي، والقمر الصناعي (Gaia) التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
كما يشير الاكتشاف الأخير، إلى أنه قد يكون هناك الكثير من هذه الكواكب، التي تجوب المجرة، ومع ذلك لا يزال العلماء غير متأكدين من أصلهم، ويمكن أن تكون الكواكب المارقة قد تشكلت بنفس الطريقة، التي تتشكل بها النجوم من سحابة من الغاز والغبار، وتوجد فقط بمفردها أو يمكن أن تكون جزءً من نظام نجمي قبل طردها، ودون وجود نجم في المدار فإن هذه الكواكب تباشر أعمالها بشكل مستقل، وتدور حول مركز مجرة كما تفعل النجوم.
والمعلوم أن الكواكب ذات الأغلفة الجوية السميكة والغريبة، قد تتمكن من استيعاب الماء السائل وحتى الحياة على أسطحها، قد تستمر الظروف المعتدلة، التي تسمح بوجود الماء السائل لمليارات السنين، حتى لو كان الكوكب يطفو من تلقاء نفسه في الفضاء، بدلاً من أن يدور حول نجم، وعندما تبدأ الكواكب في التكون حول نجم فتي، فإنها تتجمع بالغلاف الجوي البدائي المكون أساساً من «الهيدروجين والهيليوم» لتفقد العديد من الكواكب هذا الغلاف الجوي في النهاية، حيث يتم استبداله بغازات أثقل مثل «الأكسجين والنيتروجين» تماماً كما فعلت الكواكب الصخرية بنظامنا الشمسي، ومع ذلك فمن الممكن أن بعض الكواكب أكبر من الأرض، ويمكن أن تمسك بهوائها البدائي، وقد يكون هذا مهماً.
لأنه بظل ضغوط عالية بما يكفي، يمكن للهيدروجين التصرف مثل غازات الاحتباس الحراري، ويمتص الحرارة ويحتجزها داخل الغلاف الجوي، بدلاً من السماح لها بالإشعاع بعيداً في الفضاء، لذلك استخدم كريستوف مورداسيني من «جامعة برن» بسويسرا وزملاؤه عدة آلاف من عمليات المحاكاة، لاستكشاف المدة التي يمكن أن يحافظ فيها هذا التأثير على كواكب أكبر قليلاً من الأرض، في نطاق درجة الحرارة المناسبة للمياه السائلة.
وأظهرت الدراسة التي قاموا بها ونشرت بـ «المجلة الدولية لعلم الأحياء الفلكي» أنه في ظل ظرف معينة كـ(مدار قريب من الكوكب، وحجم مشابه للأرض، وغلاف جوي كثيف من ثاني أكسيد الكربون، وضغط كبير) فيمكن أن تستفيد الكواكب المارقة من الحرارة الكافية التي تمكنها من الاحتفاظ بالمياه السائلة على سطحها لأكثر من «مليار» سنة، وهي تقريباً نفس المدة التي استغرقتها الحياة لتظهر على الأرض.
ونظراً لعلم الخبراء من وجود كائنات حية، لا تعتمد على ضوء الشمس في العيون الكبريتية الساخنة، التي بظلمات قاع المحيط وأعماقه، فإن ذلك قد يزيد من إمكانات البحث عن وجود كائنات حية بكواكب أخرى غير كوكب الأرض، وعلى الرغم من كل ما تقدم، فيمكن للحرارة الناتجة القيام بعملية تشكيل الكوكب، وتحلل العناصر المشعة في الصخور، وجعل تلك الكواكب صالحة للحياة.