مها محمد الشريف
لم تمض إلا سنوات قليلة على إزاحة حكم البشير الذي استمر ثلاثة عقود سادها التأخر في كل نواحي الحياة إلا وعادت أزمة سياسية طاحنة للسودان هذا البلد العربي الزاخر بالإمكانيات حيث تصطدم القوى العسكرية فيه بتنازع أدى لاشتباكات مسلحة تنذر بتصعيد لا يعرف إلى أي مدى يمكن أن يصل مما يهدد استقرار السودان ويشكل ضغطاً اقتصادياً أكبر عليه مع ما يواجهه من تحديات نتيجة عقوبات امتدت لسنوات طويلة فالمخاطر على هذه الدولة المهمة عربياً وشرق أوسطياً أصبحت كبيرة إذ يخشى الكثير من الناس أن يكون ملزماً برفض ما يريد، لتزدهر الأنظمة الوحشية.
بكل الأحوال، فقد بدأ الصراع في السودان منذ زمن بعيد وتجددت الأحداث الآن قُتل العشرات من المدنيين والعسكريين على يدي الفصائل الحاكمة المتنافسة، وذكرت صحيفة «تليغراف»البريطانية أن الحال في هذا البلد العربي الإفريقي لا يختلف كثيراً عن باقي النزاعات الأخرى في إفريقيا والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، من حيث وجود ما سمته بـ«صانعي المشكلات» الروس.
من هنا سننقل لكم كيف دخل الروس إلى السودان، وكيف يستطيع إنسان السودان أن يحتمل المزيد من الضغوط التي تتحكم بحياته، فقد استعان الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير بخدمات الروس للمساعدة في دعم نظامه المترنح في عام 2017، بعد لقاء جمعه مع بوتين والذي وعد فيه البشير بجعل بلاده «مفتاح إفريقيا» لروسيا، حيث تضمنت الخطط المشتركة ومنها إنشاء قاعدة للبحرية الروسية في البحرالأحمر في بورت سودان، وهو مشروع دعمته مجموعة «فاغنر».
ونُقل عن البشير آنذاك بأنه سعى للتعاون العسكري مع روسيا، منذ زيارته إلى سوتشي في نوفمبر 2017 وطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «حماية بلاده» من الولايات المتحدة، وزودته بمقاتلات من طراز «سوخوي 35». حيث اعتمد سلاح الطيران السوداني على المقاتلات الروسية، كما زودته بمعدات عسكرية أخرى.
في الواقع، لم تكن الحرب بسبب قوات خارجية دخلت للبلاد، بل كان المحتمل الوحيد هو انهيار النظام والتعامل مع الأزمات الداخلية، بعد كل الاتهامات الموجهة لنظام البشير السابق بارتكاب جرائم حرب والإبادة الجماعية، بسبب حرب دارفور التي راح ضحيتها أكثر من300 ألف مواطن. وارتكب البشير بسياسته المتهورة إلى فصل جنوب السودان، الغني بإنسانه وثرواته، واستقلاله بدولته، وفقد بسببها السودان ثلث سكانه، وثلث أراضيه، و85 في المائة من صادراته الخارجية، وعلى رأسها «البترول».
لا شك في أن الدول تنهض أو تسقط من الداخل وليست من الخارج ، فذلك البائس فاقم من المشكلات والتحديات، وانقسمت البلاد، وبذلك فقدت المرجعية الفكرية والتخطيط الاستراتيجي.
واستمرت الجهود بعد الانقلاب عليه والمحاولات لإغلاق أبواب الفساد والحروب، بيد أن هناك أسباباً أيضاً تجعل العالم يشك بالنتائج التي تأتي من كثرة تداخل الصور بنحو دائم منذ العام 2017.
مهما بذلنا في سريرتنا من جهد لصرف النظر عما حدث، ومهما كان عمق المشكلة الذي ينتابنا، فإن الأمر بيّن ويثير الاستياء لما وصل له حال السودان حينما يزيح البشر الاستقرار عن مساره، وتستمر المعارك التي تحصد أرواح المدنيين الأبرياء، والتداعيات والتبعات التي تحدثها الفوضى والصراعات في شمال إفريقيا بشكل عام، وقد تواجه تشاد وإريتريا وجنوب السودان طوفاناً من اللاجئين، مما قد يفاقم صراعاتهم الداخلية، كما أن فراغاً للسلطة في السودان قد يشجع الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة على الاستفادة مما يحدث وتظل داراً مشرّعة أبوابها على مصاريعها لكل أولئك الذين يريدون تفكيك الدول وزرع الفوضى وتأجيج الصراع.حينها يبقى الأمر بلا قيمة حقيقية والجرائم المستعصية على الفهم لا يمحوها التاريخ، حتى وإن كان العالم أجمع يرى أنها متطلبات متعارضة وحسابات لا نهاية لها من أجل الإصلاح.