د. إبراهيم بن جلال فضلون
(اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا)، نِعمةٌ من اللهِ تستَحقّ الشّكر والحمد، ففي ظلال العيد نعيش شعيرة روحانية دينية وثيقة، حيوية كتبها الخالق على المسلمين من عباده كفريضة إيمانية مرتين أولاهما عيد الفطر المبارك ثُم عيد الأضحى، لنتلمس قدوم الأول، بعد عبادة صيام شهر كريم كجائزة للصائم باجتيازه الاختبار الإيماني فرحاً، يُسعدُ ويُرحّب به كما قال ابن المعتزّ:
أهلاً بفِطْرٍ قد أضاء هلالُه
فالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ
وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ
قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ
رسالة ربانية: ها هو العيد يَعودُ، ويُطل عَلَى أُمتنا الإسلامية والعربية، إحياءً لسنة خير البشر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وبِمجرد دخول الْعيد تتسابق الألسن بتَكْبير الله، فِي مساجده، وفي أرجاء الأرض ليفرح الجميع، لكن الذين أخرجوا رمضان من مفهوم الشعيرة الدينية إلى مفهوم الطقس الاجتماعي، حولوا العيد أيضاً إلى طقس اجتماعي وليس شعيرة تعبدية ففقد الكثير من معانيه العُظمى لدينا. كمن يُحول فرحة العيد لطريقته وفق أهوائه هو، فقد كان عليه السلام يكثر من التكبير في ليلة العيد، بينما صار الكثيرون منا يحولون ليلة العيد إلى ليلة مجون وفسق وفساد في الأرض تجتهد حكومتنا الرشيدة في استئصال العضو الفاسد منها وتقويم وإرشاد الباقين للصلاح، ومنهم من يمضون سحابة يوم العيد نياماً، دون إحيائها.
التماسك الاجتماعي: فالعيد مناسبة للتراحم والتزاور وتمتين روابطنا الاجتماعية، لكن منا من يفر من ذلك كله بالسفر خارج محيطهم المعتاد خوفاً من (ضوضاء ودوشة) العيد كما يزعمون، فهو يوم (أكل وشرب وبعال) أي المرح واللعب، ليخرجوا من شهر الطاعات تاركين شعائر العيد التي بينها لنا رسولنا الكريم، فيلبس فيها الناس أجمل ثيابهم ويأكلون أشهى طعامهم ويملؤونها بالفرح واللعب والتواصل فيما بينهم، فهل نفعلها ونعيد للعيد معانيه الحقيقية.. فعمّا قريب سوف نتحرّى هلاله، كما قال ابن الرومي:
ولمّا انقضى شهرُ الصيام بفضله
تجلّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ
كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ
سعادة وجبر خاطر:
لَا تنسَوا في عيدكم هذا الفقراء والمساكين وأولي الأرحام أقرب، فتصدقوا عليهم، وأجبروا خواطر المحروم والغريب والموظف ممن ترك وطنه وجاء لرزقه فارحموا العمال وشاركوهم الفرحة ولا تحملوهم هموم الدنيا فكفاهم الغربة، ولا تعاملوهم إلا بإحسان فهم إخوانكم في دين الله، فما أطيب من تهديه بسمة الفرح وتشاركهُ تهنئة تجبر بها خاطرهُ وتُنسيه وحدته وفراق أهله، فعليك تيسير التواصل بهم، ليُهنئهم ويُهنئونهُ فَلَا تبْخل عليه، ولا على نفسك، فَالرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ اللهُ، فيدعو لك بخير يعقبهُ رضا الله وفضله، وهنا يحضرني موقفٌ أحسبهُ عند الله بمقالتي فرجاً على صاحبنا وأمثالهُ، حيث أراد إحضار زوجته وأولاده بزيارة عائلية فرضها النظام وكفلها الشرع ورعاها خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الميمون أعاد الله عليهم الأعياد بالخير، وكذا حكومتنا الرشيدة بأنظمتها، ليسير هذا المقيم بإجراءاته فرحاً بأن يُلملم الله شتات أسرته بأرض الحرمين، لمنعهُ كفيلهُ من تصديق تأشيرته من الغرفة التجارية، مخالفاً كافة الأعراف، وقد طرق المقيم أبواب الجهات الرسمية وقد ساعدته محاولاً فهم من له علاقة والكُل يُلقى بالمسؤولية على الآخر (ليس من اختصاصنا)، وهنا كنت أتمنى من الله وراعينا خادم الحرمين وولي العهد والجهات المختصة التي قامت بمبادرات تمنع تحكم الكفلاء بمن هُم عند الله خيراً من أمثالهم، أن تسن وتُشرع ما يُيسر لهؤلاء إجراءاتهم دون اللجوء لكفلائهم.. فأعان الله صاحبنا وأمثاله، فكم من دعوة أطلقوها في ذلك الشهر الكريم على من لا رحمة فيهم. فكونوا معهم لا عليهم والزمان حتَى تؤخذوا بهم فكم من أقوام بادت ولم يبقوا إلا عبرة للأزمان.
اللهم احفظنا بحفظك، ووفق وليَّ أَمرِنا، ووليَ عهدهِ لِمَا تحب وترضى؛ واحفظْ لبِلادنا الأمن والأمان، وأنشر الفرحة علينا في كل مكان ولشهدائنا منا خير سلام ولأولادهم منا كل احترام وتقدير لما كان، وكل عام وأنتم إلى الله أقرب.. ولنستبشر مطالع عيدنا كما أنشد الشاعر يحيى حسن توفيق بقصيدة «ليلة العيد» قوله:
ياليلة العيد كم في العيد من عبر
لمن أراد رشاد العقل والبشر