د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما نتحدث عن العيد يتوارد في ذهنيتنا العربية الموغلة في الشجن حال العيد عند إشراقة نهاره ومحمولاته التي تصطف في تساؤلات الشعراء وصياغاتهم حين تحكمها الأحوال والبيئات، فهذا المتنبي يصدح بيته الشهير من قرون مضت في رواق العيد فيرتاده الناس كلما ألم بهم طارق بليل أو وميض آمال قادمة!
«عيدٌ بأية حال عُدتَ يا عيدُ
بما مضى أم بأمرٍ فيك تجديدُ»
وفي الضفة الأخرى وفي العصر الحديث يحملُ الشاعر (سعيد عقل) فلسفة مختلفة حين يتخضّب العيد بقدسية المكان والزمان فيقول:
«غنيتُ مكةَ أهلها الصيدا
والعيدُ يملأ أضلعي عيدا»
وبين فلسفة الشاعرين يظلُّ العيد يحتضن حكايات عريقة في صناعة الاحتفاء بالإنسانية، وحكايات تنسج الفرح في دروب النهوض؛ ورصد غزير من الذكريات الفاخرة؛ فيتجلّى سحينذاك اتفاقنا مع الشاعرين؛ واليوم وقد حل عيد الفطر المبارك ونحن في حالة اشتياق كبرى لحضوره، حيث نحمل معنا نتاج «الصوم» المجزئ بإذن الله؛ ويأتي العيد تلك الشعيرة التي تؤدى لها الصلوات وتتوشحها بتسبيح دافئ {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (البقرة: 185)، ويأتي العيدُ ولا نخطىء طريقنا نحو خضرة الذاكرة لنمتاح عن الأعياد تلو الأعياد فنرسل لشاعرنا المتنبي جوابنا عن حال عيدنا الذي تساءل عنه! فأعيادنا بخير عادت وتعود بشعور مدهش متجدد، وبلادنا العظيمة في العيد تقف شامخة يصفق العالم لحضورها المتميز في المشهد الدولي؛ وفي ذات الوقت تهنئنا قيادتنا الشامخة -حفظهم الله- خادم الحرمين الشريفين ملكنا سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي العهد قائد الحضارة السعودية الحديثة الأمير محمد بن سلمان بالعيد فيشجينا بثهم الودود؛ وتخبرنا القيادة الرشيدة أن العيد هنا مختلف تحيطه عناية وطنية فاخرة وتبقى كل الومضات السعودية في عليائها؛ وحضورنا العالمي في أوجه، واندماجنا مع العالم لصياغة الحضارة الجديدة كل ذلك مشاهد ملموس؛ فجاء العيد هذا العام وقد انسكبت الإيجابية في أوساط مجتمعاتنا بما يكفي لزراعة الصحارى بالأعياد...
وما فتئت أفراحنا تتكاثر في أزمنة العيد وترتاد أرجاءنا حيث تظهر في العيد اللغة السامية التي تركز على إيقاظ مقومات الخير في كل الأشياء واستزراع المودة والتآخي؛ ودائما ما نشتاق إلى النهايات الجميلة في العيد التي تفضي بِنَا إلى أن تصبح القيم الأخلاقية المتكاملة مسترادنا، وحتما فالعيد مؤتمر للمسلمين كافة ينتمون إليه وهم في ديارهم.
ولقد نبتتْ أمامي حكايات العيد بمفهومه العام وأهدافه الإسلامية السامية، فرأيته إحساسا عاليا بالامتنان إلى الله بأن وهبنا شهر رمضان وقضاء أوقاتنا معه، وإحساسا آخر بجمال الموجودات في اللباس والاستقبال والضيافة التي يتشققُ فيها الكرم العربي، وإحساسا عميقا إيجابيا بالحياة وهيمنة المحبة على أطواق الناس وفضاءاتهم؛ ثم أن حزما من الإلهام في العيد تطرّزُها المعايدة وعباراتها، وطقوسها المجتمعية؛ فما زال هناك كتاب محبة تحرره الرفقة الطيبة لبناء صروح أسرية للعيد تبقى وتتبرعم وتنادي جيلا بعد جيل لتوقيع عقود الشراكة مع الفرح؛ ولصياغة اتفاقيات الاستمرار والإيمان العميق بالهدف والنتيجة، فالعيد لا تكفيه قصائد المتنبي وتساؤلاته، ولا احتضان سعيد عقل لبعض طقوسه؛ إنما الاحتفاء به يلزمه جهد من تخطيط ومواثيق ونظام وتنظيم، فالأعياد العائلية القائمة الممتدة ليست عشبا مفاجئا نبت على المنحدرات! وليست خطوات تبددتْ على الرمال! بل صناعة للدائرة وتحديد قطرها وأوتارها ومن ثم إشعال القناديل حولها، فالعيد أثر وتأثير وصناعة الفرح بالعيد طوق يزين كل منا لتجتمع في النهاية دائرتنا الواسعة فنحتوي الأعياد في أعماقنا لتسكننا الأعياد ونسكنها إيمانا واحتسابا.