شوقية بنت محمد الأنصاري
التغيير حقيقة واقعية وثابتة بلا جدل، لا يخلو من أي قانون وأي زمان ومكان يتواجد به البشر، سنة كونية ومقادير ربانية لا يتحكّم بها سوى الإله المقتدر، والتحولات في صناعة رحلة التغيير وكيفية التحكم بمفاتيح سلطته من أهم ما أشغلت الفكر القيادي والإداري، وتزامن ظهور التغيير مع دلالة لفظية بتفعيلة صوتية واحدة ألا وهو التطوير، كل ذلك لمواصلة مشوار النجاح بلا كلل وملل، ورصد مؤشرات تقفز بذبذباتها المستحيل وتتجاوز سطور الخطر.
إن القدرة على إتقان لغة تغيير متفردة استثنائية عظيمة يتطلب أسلوباً قيادياً فريداً، فعالاً مبدعاًٍ، ليصل بابتكاراته المتوازنة لمؤشر التطوير والتحوّل المنشود، رغم ازدحام المنظومة بأصوات الاعتراض والرفض إلا أن الإيمان المنبعث من الشخصية القيادية كان الأقوى ليبدأ تجربة جديدة تنقله من عالم الروتين المتكرر لتجديد متنوع ومبهر، وتأخذ منظومته المؤسسية من دائرة الخوف لحوكمة متحسنة جادة آمنة، فيخضع الجميع لقوانين التغيير ويحاكي ويعدّل ويتخاطب بلغة ذكاء مهندسة بالفنون القيادية، وصفها (وارين ينيس) بقوله: «ترجمة النية إلى واقع والمحافظة عليه»، فإدارة التغيير تكمن أهميتها في تحويل وجهات تفكير البشر نحو التجديد والشغف لخوض التجارب والخبرة والمنفعة، إنها البدايات الجادة والقرارات الصارمة التي ذكرها (جون ماكواجير): «النقطة الحاسمة بين استراتيجية التغيير المدروسة وتنفيذها الفعلي تعتمد على ثقافة القيادة السائدة في الشركة».
لا شك أن مراقبة الأحداث الحياتية بمتغيراتها المزدحمة وتطوراتها الملموسة التي اختطفتنا وجذبتنا بقوة تجاه خطوط قراراتها الحكيمة العادلة لنتساءل عن سرّ السلطة القيادية الممكنة لها؟ (محمد بن سلمان) إنه الجواب الفاصل لشخصية قيادية ألهمت العقول وجعلت الجميع ينقاد لرأيه في ذهول، هذه المكرمة الإلهية وصوت الدعاء لها لم ينقطع مردداً (اللهم احفظ خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين وانصر بهم الإسلام والمسلمين) يشكل تاريخ 26 رمضان مولداً للقادة ونقطة حاسمة لمن أراد أن يتقن فنون القيادة، ففي كل عام بصمة تحولات تغييرية ينقشها قادتنا قادة التأثير والنهضة بالأمة العربية والإسلامية، وترقب شعوبنا وشعوبهم هذا الصوت الصادق وقد استجاب له الرحمن وصار شاهداً بالبرهان، ليأتي رد ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود -حفظه الله- واصفاً هذه اللحظة: «إذا نجحنا في السنوات المقبلة سوف تلتحق فينا دول أكثر وستكون النهضة في الشرق الأوسط في 30 سنة مقبلة إن شاء الله».
شكلّت هذه العبارات رأياً وتأثيراً في الصعيد العالمي، لنجد في الأفعال والأقوال ولادة جواب لألف سؤال أزلي يسأل عن كيفية نجاح هؤلاء القادة! إنها خريطة التأثير الاستثنائي رسم حدودها رجال صدقوا وعاهدوا الله واشتدّت بنواصيهم المواثيق والتواصل والحجج، والثقة ترسل شعاع نورها الإيماني بهيبة تلزم الالتزام وتأخذ القول بحزم واحترام، هذا السر القيادي وإن ذكره (تيم إروين) ضمن كتابه الأكثر مبيعا (التأثير الاستثنائي) بقوله: «القادة يخرجون أفضل ما بداخل الآخرين»، فإن المعنى الحقيقي للقادة الأعظم حضورا هو (القدوة) أفعال وجهود استثنائية للمملكة العربية السعودية ارتكزت فيها القرارات كنقطة حاسمة على منهجية القيم الإيمانية المنغرسة بالبيئة الإسلامية، للنهوض بالإنسان وتنمية الأوطان سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وإيدولوجية علاقات مؤثرة محفزة، تخلق مناخاً يتسم بالثقة المتبادلة وتنعكس فاعليتها على مختلف البيئات وقدرتها في التأثير بالمصلحات وإحداث بصمة تغيير إيجابية قوية، نعم عند قادة السعودية فقط تجد التحوّل المتفرد في التغيير القيادي الميسّر والممكّن للفرص التي تعيين على نقل خريطة التغيير لواقع متحقّق، فكلما كسب فريقهم مفتاحا للنجاح يسمو بهم ويفتح قنوات التواصل بينهم لدعمهم وتمكينهم خير تمكين عندها تقرأ للقرار واقعا يفوق الخيال.
إن ملامح القادة العظماء اليوم تقتبس من قدوتنا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- لتتجاوز مقاييس نظريات التغيير والتطوير، ولم نجد لها ترجمان بين المؤلفات سوى في تحقّق رؤيتنا السعودية، عنوان المجد والحضارة، التي لاحت تفاصيلها في الآفاق وأصبحت منهاجا ومقياسا تسير عليها المنظمات والمؤسسات الدولية، وأبرزت التنافسية القيادية التي أنطقت العالم بشعوبه وقادته وأوطانه بكفاءتها، لتسير على خطى هذا الإلهام الإنساني من ولي العهد السعودي -حفظه الله- وأقواله المتداولة ما هي إلا ترجمة لأفعال سبقتها، ومؤشرات تنفيذ ساندتها، لنستخلص منها استراتيجيات القيادة الحكيمة في التأثير الاستثنائي، وهنا وقفة على أقوال سموه الكريم:
(دائما ما تبدأ قصص النجاح برؤية وأنجح الرؤى هي تلك التي تبنى على مكامن القوة)، (ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعب طموح معظمه من الشباب هو فخر بلادنا وضمان مستقبلها بعون الله)، (طموحنا أن نبني وطناً أكثر ازدهاراً وأي أمر يخدم الشعب السعودي ويخدم وطني سأفعله بكل قوة)، (فخور بأن المواطن السعودي أصبح يقود التغيير)، (الهجمات الأخيرة تتطلب موقفاً حازماً من المجتمع الدولي)، (لن نتردد في التعامل مع أي تهديد)، (تحول النقاش من التغيير الذي نريده من الدولة إلى التغيير الذي نصنعه جميعا)، (رؤيتنا للبلاد التي نريدها دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر، سنرحب بالكفاءات من كل مكان، وسيلقى كل احترام من جاء ليشاركنا البناء والنجاح).
عبارات رنانة ملهمة محفزة صنعت بداخلنا الفخر والعزة، وأخرجت من الشباب السعودي أجمل ما فيه من روح معطاءة للوطن، وتأصلت بهمّتنا عناصر الحزم والقوة، وهي ثقافتنا الوطنية المدروسة المنظومة، لتستمر السيادة، والقوة والريادة والإلهام في صناعة القادة، ومن قراءة هذه الأقوال ودلالاتها نستخلص سرّ التأثير الاستثنائي (القدوة) من شخصية ولي العهد -حفظه الله-:
- لغة المشاركة مع الآخرين التي تأسّست وانغرست منذ الصغر لتتحول الثقة الطفولية من (أنا) لثقة ملكية (نحن) هذا التوازن الإنساني هو الركيزة في صقل المهارات القيادية مبكرا من الطفولة.
- التغذية الراجعة المحنّكة لا الناقدة، ونراها في حرص ولي العهد على ترديد (لدينا إرث وقيم وتاريخ) وتقابلها مقولة (لدينا شعب طموح) فحرص القادة على استحضار القيم مع أهداف جديدة طموحة تعزز لرسم منهجية وخطة مستقبلية متسقة بالإستراتيجيات الداعمة والمتوافقة أيضا مع الأهداف المشتركة مع الآخرين لتتيسّر رحلة الانتقال من (أنا) إلى (نحن) وهذا ما اكتنزناه بالفعل من قيمنا الإسلامية (وأمرهم شورى بينهم) يصفها (تيم إروين) بالتغذية التحالفية: «إذا أردنا إخراج أفضل ما في شخص، فمن المرجح فعل ذلك إذا شكلنا مع هذا الشخص تحالفا».
- الدعم اللفظي من عبارات ولي العهد رسمت للمتلقي (المواطن) أبعاداً تكتيكية (إن من البيان لسحرا) بأسلوب قريب مشوّق وتأثير عجيب في الآخرين صغاراً وكبيراً، رؤساء ومرؤوسين، شعوبا وقادة، فلا يمر الشهر والعام إلا بكنوز أقواله المدروسة التأثير تترك فينا الانطباع الجمالي بقرب جوهر شخصيته كفرد من الكيان الأسري، ثم نراه ذلك الشجاع الكفء في نقاشاته ومهاراته القيادية، ليطمئن الفكر وتستقر المشاعر لذلك القائد الأمين الصادق في قراراته وحسم مستجدات الأمر ونزداد إيمانا بأفعاله وعظيم إنجازه وبالدعاء له نصادق، لتأخذنا الهمة على اقتباس هذه المآثر ونبدأ رحلة التطوير مع ذواتنا ومجتمعنا المحلي فنرسم ونخطط لمبادرات ومشاريع ريادية تنبثق أهدافها وخططها الإستراتيجية من هذه الأقوال والأفعال القيادية والرؤية السعودية.
- وعلى نطاق الجانب الآخر للمتلقي (العربي وغير العربي) رسمت أقوال ولي العهد منحنى للجمال الإنساني يفوق ما تثرثره تلك المنابر الحاقدة بكلماتها المميتة لإنسانيتها وشعوبها ومن ثم تتغير خطاباتها وتعود لنقطة حاسمة موائمة لمصلحة الشعوب وفق ما خططه بصدق وعدالة قادتنا العظماء، لندحر ونتجاهل خطاب الكره من الآخرين ونظل حول خطابنا الوطني الأجدر والأقدر على حل قضايا الشعوب وعودة العلاقات بين البلدان ووقف نزيف الحرب ودرء المفاسد والغدر.
إن فنون القيادة العظيمة أصبحت تمثّل بصمة فارقة من ديننا الإسلامي منبثقة، وبشريعتنا السمحة العادلة متمسّكة، ولا يتقن زمامها إلا عباقرة خصّهم الله للمنفعة البشرية وسخّر لهم من السلطة الرشيدة ما يتقنون رحلة التغيير وترك مآثر القدوة الحسنة، وسيظل اسم (محمد بن سلمان) بصمة استثنائية في تاريخ القادة العظماء، وجاء الشعر العربي ليؤكد الأمير عبدالرحمن بن مساعد موطن الإلهام في يوم مولد القادة:
أجَلْ ما كلُّ مقصودٍ نُفادي
وماكلُّ الثرى كَثرى بلادي
ولا لسواكَ صار الحُب شعبًا
يضمكَ يا محمدُ في الفؤادِ
سنينُ الناس أعدادٌ ووقتٌ
وعند محمدّ ٍ قهرُ الأعادي
وأمجادٌ وإنجازٌ وعزّ
وفخرٌ مُستحَقّ في ازديادِ
لهذا يوم مولده احتفينا
هو النّعماءُ من ربِّ العبادِ
***
إليهِ انتهاءُ المجدِ أم عندَهُ ابتدى
هو المجدُ ليس المجدُ إلّا محمّدا
ولا يُعذَرُ الحُساد في الغلِّ مُطلقًا
ولكنّهُ الإنجازُ يصنعُ حُسّدا
بعيدٌ على أعدائهِ خدْشُ ظِلِّهِ
كَبُعدِ الضّلالِ الفجِّ عن واضحِ الهُدى
عصيّ على أعدائهِ حجبُ خيرِهِ
سُدى حجبُ نورِ الشّمسِ ياجاهلًا سُدى