عبدالرحمن الحبيب
في الاجتماعات الافتراضية يظهر لك أشخاص بهيئات مختلفة عما تعرفه عنهم مباشرة.. طريقة التعامل مع الفيديو ليست كما اللقاء المباشر.. قد يظهر شخص كالوحش أو كنجم سينمائي أو كظل إنسان حسب الإضاءة والمسافة والزاوية من الكاميرا.. قد يكون صوته كمذيع ماهر أو كضجيج أو همس غير واضح حسب صفاء الميكروفون ومخارج الحروف في صوت المتحدث... هل أنت من النوع الذي يغلق الكاميرا ويكتفي بالتواصل الصوتي؟ وإذا أغلقت الكاميرا، هل تستمر في متابعة كامل الاجتماع أم تغفو قليلاً أو تسرح بعيداً؟ هل تملّ سريعاً من الشاشة التي أمامك أم نفسك طويل مع الأجهزة البصرية؟ وإذا كنت تتحدث جيداً فهل تستمع جيداً؟
قد تكون جيداً بالسليقة أو بالخبرة في لقاءات واجتماعات العمل الحضورية، لكن الاجتماعات الافتراضية عبر الشاشة تتطلب إعداداً، وطريقة في التحدث والاستماع مختلفة نوعاً ما عن الاجتماعات المباشرة والمخاطبة وجهاً لوجه. ومن المهم جداً الترتيب لها ذهنياً ونفسياً مثل الترتيب لها آلياً وميكانيكياً، فالاجتماعات الافتراضية أصبحت جزءاً أساسياً من العمل المكتبي، وأصبحت منصات التواصل وسائط فيديو تسجل الاجتماعات بشكل روتني وتهيئ كافة وسائل التواصل.
بل صارت بعض الشركات تطلب بشكل روتيني من المستخدمين إجابات على أسئلة معينة على الفيديو، حتى يتمكن الناس من معرفة مدى جودة تواصل المجتمعين المحتملين: قد يكون الفيديو مشوشاً، إضاءة زائدة أو ناقصة.. صوتك مناسب أو غير مناسب عبر الميكروفون الذي قد يكون قريباً أو بعيداً عنك.. وإذا كان الصوت مناسباً هل طريقة كلامك ومخارج الحروف واضحة للمستمع؟..الخ
نُشرت العام الماضي دراسة من قبل كاثرين كارل من جامعة تينيسي وزملائها في الولايات المتحدة، تبحث عن أكثر شكاوى العاملين شيوعاً حول اجتماعات ومؤتمرات الفيديو: زوايا الكاميرا والقرب من الشاشة والإضاءة السيئة، كلها تظهر في قائمة الإحباطات والإحراجات. لكن يمكن لأصحاب العمل مساعدة الجميع على تحسين عروض الفيديو الخاصة بهم، سواء كانوا يوفرون معدات مناسبة للعمل في المنزل أو مجرد تقديم ملاحظات حول كيفية ظهور الأشخاص على الشاشة بطريقة مناسبة (مجلة الإيكونيميست).
لا تختلف النصائح حول كيفية تقديم الفيديو بشكل جيد عن نصائح التقديم الحضوري بشكل عام، إلا أن هناك بعض العثرات المحددة في الفيديو التي ينبغي الانتباه لها. أحدها: أين تنظر؟ إذا كنت تحدق في الكاميرا فهو أمر غير طبيعي وغير مريح للمشاهد. هل تنظر بعيداً تماماً عن الكاميرا؟ لن ترغب في أن يظنك المجتمعون منفصلاً عنهم..
الخبراء ينصحون ممن لديه إشكالية في ذلك بتثبيت صورة لشخص تحترمه مباشرة من العدسة وكأنك تتحدث إليه. لكنهم ينبهون إلى أن أصعب حالات النظر إلى الكاميرا هي عندما تشير إلى الملاحظات على الشاشة وفي نفس الوقت تحدق في الكاميرا. أيضاً، يذكرون أن المتحدث الذي تتنقل عيناه من واحدة إلى أخرى هو في حالة خوف من هجوم وشيك, تحديق العين يعطي دلالات مختلفة، وقد يكون برنامج الملقن Teleprompter الذي نزل قبل أشهر مفيداً في ذلك.
برنامج الملقن يشتمل على شاشات تعرض كلمات ذات خطوط كبيرة، تتيح لأي شخص لديه جهاز كمبيوتر أو جهاز محمول الحصول على المساعدة في إلقاء خطاباته بشكل احترافي، حيث يعرض برنامج الخطوط الخاصة بك أثناء إلقاء خطاب أو عرض تقديمي. ما عليك سوى إدخال البرنامج النصي الذي اخترته، ويقوم البرنامج بتمرير الخطوط على الشاشة أو الجهاز الذي اخترته.
إذا تجاوزنا حركة الجسد وإعدادات الأجهزة، فهناك يكمن خطر آخر في إغراء استخدام التكنولوجيا لمجرد وجودها رغم عدم الحاجة لها. نفس القاعدة الأساسية التي تمنعك من المبالغة في وضع رسوم متحركة في عروض البوربوينت كذلك تنطبق أيضاً على الفيديو المسجل مسبقاً. لا تقم بزيادة استخدام المؤثرات الخاصة إلا إذا كنت تعرف حقاً ما تفعله.. هذا ليس عرضاً لأفلام الأكشن المثيرة.
ربما تكون أقل المهارات انتشاراً في عصر اجتماعات الفيديو هي الاستماع جيداً. رغم أن إحدى المزايا العظيمة للاجتماع الافتراضي في أنه يمكنك إنجاز العمل الفعلي فيه من خلال القدرة على إيقاف تشغيل الكاميرا عندما تشعر أن وقتك يضيع، وتستغله في عمل منتج.. وعلى الطرف النقيض من مزايا اجتماعات الفيديو الافتراضية هو مدى تشتيته للانتباه: بالإضافة إلى التحقق من نفسك ومتابعة الدردشة عبر الإنترنت، يمكنك انتقاد خلفية شخص ما جديد بالقرب من شخص يلعق المكرونة بفمه، حسب تعبر الإيكونيميست.. يتطلب الأمر جهداً حقيقياً للبقاء مركزاً في مثل هذه الظروف.
تتمثل الطريقة الخاطئة التي تتبعها الشركات في معالجة مشكلة تشتت الانتباه وعدم التركيز في الإصرار على وضع كاميرات مراقبة أو استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل مشاعر المشاركين في الاجتماع في الوقت الفعلي. هذا سيزيد الطين بلة، تخيل أنك مضطر إلى الإيماء والابتسام كالأهبل طوال الوقت في حال قررت الخوارزمية أنك غير مشارك بشكل مناسب. الطريقة الصحيحة لاستجابة الشركات هي جعل الاجتماعات أقصر وأكثر صلة بالموضوع، لأنه من الأسهل دائماً الاستماع عندما يكون هناك شيء يستحق الاستماع إليه سواء كنت أمام الكاميرا أو أمام من تحاورهم.