عبده الأسمري
ما بين أعماق «السريرة» وآفاق «البصيرة» تلألأ في سماء «السيرة» وضياء «المسيرة «بقمة ومقام وقيمة رسخها في «متون» القراءة وسخرها في شؤون «الاستقراء».
برع في «قراءة» القرآن الكريم بحلاوة «الترتيل» وطلاوة «التجويد» فكان «المزمار» المكي الفريد صاحب الصوت «الشجي» والصدى «الندي» المشفوعين باللحن السماوي الموشح بالمقام الحجازي الذي استعمر الأذان وغمر الوجدان.
إنه الشيخ عباس مقادمي رحمه الله أحد أمهر وأشهر قراء القرآن الكريم في العالم الإسلامي ورائد القراءة الحجازية الشهيرة.
بوجه تعلوه سمات «التروي» وصفات «السمت» وتقاسيم تقتسم مع والده «الأصول» ومع أخواله «الفصول» وتتكامل مع عشيرته «بني» سعد «الملامح» و»المطامح» ونظارة «سوداء» تغطي عينيه «الحبيبتين» اللتين كانتا «موطن ابتلائه» ووطن بصيرته ومحيا عامر بالفضل والنبل وأناقة تعتمر الأزياء الوطنية التي تتماثل على محيا قويم يرفل بالتواضع والصفاء مع شخصية ودودة مهذبة تنبع أدباً وتسطع تهذيباً وكاريزما قوامها «حسن الأخلاق» ومقامها «طيب الوفاق» وصوت جميل وصدى أصيل موشح «بعبق التلاوة» ومزين «بعمق» الترتيل «ولحن قولي» مسجوع بالمقامات «المرتلة» والاستقامات «المجودة» وصدى صوتي ينطق بآيات القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار بأداء يطرب السمع بجمال الآيات ويبهج النفس بامتثال السور.
قضى مقادمي جل عمره وهو يرسم «مشاهد» القراءة المكية لابساً «تاج» الكرامة المجيد في أشرف «مهام» الدنيا وأغلى «مواقع» العطاء مشرعاً أبواب «الأولويات» في إذاعات «القرآن» مكللاً بمهارة «الواجب» ومجللاً بجدارة» الحق» في مهنة «الشرف» الأولى وحرفة «الفخر» المثلى.. مصدراً إلى أصقاع الأرض «عشرات» المشاريع القرائية البشرية التي نالت «مرام» اليقين واعتلت «مقام» التمكين.
في مكة المكرمة أطهر بقاع الدنيا ولد عام 1342هـ/ 1921م في حي سوق الليل الشهير بالخيرات والبركات وازدانت منازل «المكيين» وابتهجت مرابع «الطيبين» بالمقدم الميمون والقدوم المبارك وتربى بين والد عظيم امتهن بيع «المقادم» وسمي بذلك حيث ملأ قلبه بدوافع «الكفاح» وأم متفانية أبهجت مستقبله بمنافع «الدعوات».. وأصيب في سن الثالثة بمرض «الجدري» المنتشر حينها ونظراً لحكمة ربانية ولعدم وجود الدواء الشافي تسبب الداء في فقدانه «البصر» فاستلهم «الصبر» وحظي بالجبر فكان من «المكرمين» بخدمة القرآن و»المتوجين» بقيمة البيان حيث وجه له والده «بوصلة» التعلم شطر حلقات الذكر الحكيم فبدأ الطفل «النابه» نابغاً يشار إليه بالبنان في مواطن البيان حيث درس القرآن الكريم حفظاً وتلاوة على يد شيخ القراء الشيخ أحمد عبدالله حجازي والشيخ أحمد بن حامد بن عبدالرزاق التيجي الريدي والشيخ محمد سعيد بشناق والشيخ عبدالرؤوف مرعي شيخ المقرئين في مصر، والشيوخ سعد عون، وجعفر جميل البرمكي، ومحمد حسين عبيد وزيني عبدالله باريان وعبدالصمد جمبي وسراج قاروت وتعلم القراءات على أيدي الشيخ عمر الأربعين، ودرس دروس الفقه والحديث على يد علوي عباس مالكي في الحرم المكي.
صال مقادمي وجال مع أقاربه وأصدقائه وزملائه بين أحياء الشامية وجبل الكعبة وشعب عامر متنفساً نفائس «المكان» وأنفاس «الزمان» وتعتقت أنفاسه صغيراً بطهر زمزم وامتلأت روحه شاباً بعطر الحرم ومضى زمناً وهو يدفع «مهر» مكانة المهمة وأمانة الهمة في أرض مباركة تحتضن المغانم وتصدر المكارم.
انخطف طفلاً إلى قبلة «المسجد الحرام» مولياً وجهه نحو طاعات اعتمرت قلبه صغيراً مكللاً بسر الخلوات من صحن الطواف ومجللاً بجهر الابتهالات أمام منعطف الحطيم..
تربى مقادمي في أحضان «الطمأنينة» وكبر في أمان «السكينة «مشفوعاً بحس إيماني اعتمر كيانه وإحساس إنساني غمر وجدانه حيث ظل القرآن الكريم ربيع قلبه ونور «صدره» وجلاء همه وحزنه ورفيقه الدائم ومرافقه المستديم.
ارتهن مقادمي إلى «إعجاز القرآن» موجهاً فحوى أمنياته إلى «إنجاز الفرقان» فكبر وفي يمناه «قبضة الانتصار» وفي يسراه «تلويحة الاعتبار» فأقام في «المتن» المشرق من ذاكرة «القراء» و»الجانب» المضيء من ذكرى «النماء».
امتلك مقادمي أدوات مهارية وملكات ذاتية أكملها بنبوغ في التحفيظ وسطوع في الترتيل وتفوق على «أبناء» جيله وقرناء «رعيله» ودأب على «الإنصات» المقترن» بالإثبات» في اختبارات مكنته من «التفوق» وأوصلته إلى «التميز» بشهادات كبار قراء مصر ومكة المكرمة والمدينة المنورة وقطف «ثمار» التتويج بإجادة القراءات «العشر» بكل اتقان وإمعان..
نال مقادمي شهادة الشهود «الكبار» من جهابذة «القراءة « كأفضل قارئ في الحجاز وحصل مقادمي على المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم بمكة المكرمة وشهادة شكر من الشيخ محمد علي زينل صاحب مدارس الفلاح في المملكة والهند وحصل على عدة إجازات وشهادات من مشايخ الوطن العربي ولقب برائد القراءة الحجازية.
كان مقادمي مدفوعاً بعطاء «عميق» وسخاء «حقيق» مبتدئاً يومه بالقراءة في الحرم المكي الشريف عند بئر زمزم وباب بني شيبة وعمل مدرساً في مدارس الفلاح بمكة والفلاح بجدة.
أجاد مقادمي كل القراءات وأتقن القراءة بالمقام الحجازي وفي نقله للإعلام السعودي تم التعاقد معه عبر الإذاعة والتلفزيون لقراءة القرآن الكريم صوتاً وصورة، وفي البداية رفض بحجة الأصول الشرعية لكنه عدل عن رأيه حينما علم بجواز الأمر، ثم تعين بعدها كأول قارئ في إذاعة «أرامكو» وفي عام 1373 الموافق 1953 رحل إلى الهند في مهمة تدريس، فكان رحمه الله أول قارئ سعودي يتردد صوته بالتنزيل الحكيم في الإذاعة الهندية، وقضى فيها أعواماً.
وارتبط صوته بقراءة آيات من القرآن الكريم في كل «البدايات» المقترنة بجميع المناسبات المحلية والدولية في مكة المكرمة.
انتقل مقادمي إلى رحمة الله بتاريخ 27-7-1411 عن عمر ناهز الـ 69 عاماً في مكة المكرمة وَوُوْرِيَ جثمانه ثراها الطاهر بعد أن رسخ «التعبير» في أبهى مقامات المجد وجنى «التقدير» في أزهى مقومات «الجد», وقد نعته وسائل إعلامية متعددة وخيم الحزن على القلوب والأنفس وحتى الأماكن التي طالما سكنها صوته قبل جسده وقد عزى فيه زملاء مهنته ورفقاء دربه وأصدقاء مرحلته وبادرت الجهات التي عمل بها والتلاميذ الأوفياء الذين نهلوا من «رحيق» علمه وعمله بتوثيق تسجيلاته ونشاطاته التي لا تزال حاضرة ناضرة حتى اليوم في مواقع «البحث» ومنصات «القراء» ووسائط «المعرفة.
عباس مقادمي القارئ المقدام والمقرئ الهمام صاحب «الضياء» المهني و»الإمضاء «الإنساني في معالم «الأثر «وعوالم «المآثر».