عثمان بن حمد أباالخيل
في داخل كل إنسان صندوق أسود يشبه في قوته وتحمله وصلابته ذلك الصندوق الأسود الذي يوجد في الطائرة، البعض يعتقد أن لونه أسود لكن لونه برتقالي أو أصفر، وذلك لتميزه بسهولة بين حطام الطائرة، واختير اللون الأسود تعبيرًا عن الحزن والمآسي بسبب الكوارث الجوية وحوادث تحطم الطائرات كفانا الله شرها.
في داخل كل إنسان مجموعة من الأسرار، أسرار تختلف في ألوانها وأشكالها وأمكنتها، أسرار تموت مع الإنسان وتتلاشى، المثل السائد (كل سر جاوز الاثنين شاع) وبيت شعر امرؤ القيس:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه
فليس على شيء سواه بخزان
هناك الكثير من الأمثال وأبيات الشعر التي تعطي العبر والدروس في حفظ الأسرار التي أصبحت تنتشر مثل النار في الهشيم. بعض أناس هذا الجيل يشبهون ذارية القمح في حفظ الأسرار (كل سر تجاوز الإنسان شاع).
وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أرضاً خصبة لإفشاء الأسرار وكما يقال (نشر الغسيل)، لكن لماذا وصل البعض إلى هذه الدرجة من إشاعة السر. هناك من يموت ويموت معه سره الذي يحفظه في صندوقه الأسود، وهناك من يذيع السر ويتلذذ في تألم صاحب السر. (الصدور خزائن الأسرار، والشفاه أقفالها، الألسن مفاتيحها لكل امرئ، مفتاح سره) عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه
قد يكون الاحتفاظ ببعض الأسرار مرهقاً ومكلفاً، ولكنه يبقى أقلّ تكلفة من إفشائه. ولذا، يبدو السر أشبه بملكية خاصة، تحميها الأعراف الأخلاقية. هناك من يقول: مات وسره معاه ولا يعلم بسره إلا الله. دفن الإنسان وسره معه هو الطريق الصحيح عند البعض الذين يحتفظون بأسرار إفشاؤها سيؤدي إلى عالم موحش يغيّر من طبيعة العلاقات مع من يقعون في دائرة اهتمامه. للأسرار وجه آخر الطبيب والمحامي والمحاسب والصحافي وغيرهم يمارسون مهناً لها صلة بخصوصيات الناس وعليهم حفظ تلك الأسرار التي يطلعون عليها وعدم البوح لها. في قوانين حمورابي في بابل في القرن الـ18 قبل الميلاد، كانت عقوبة فقء العين لمن يتعمد النظر في أسرار الآخرين، ومثلها قوانين الأمانة وحفظ السر التي ميّزت الحياة الاجتماعية عند قدماء المصريين، هذه شواهد قديمة عن أهمية حفظ الأسرار.
شخصياً أرى أن السر أمانة وعهد عظيم يجب على الإنسان المحافظة عليه وكتمانه، فعندما يستأمنك أحدهم على أسراره فلا بد وأنه يرى فيك الإنسان المحترم المخلص الذي لن يفشي أسراره بتاتاً.
الأسرار تموت هذه حقيقة على أرض الواقع، الإنسان الذي يحتفظ بسره أو أسراره ويصبح تحت الثرى فالأسرار التي يحتفظ بها ماتت وما أكثر الذين يحتفظون بأسرار. أتساءل هل تؤمن بمن يحفظ السر، وبمن تختاره صندوقاً أسود لأسرارك؟
همسة: (هناك من يفشي السر في لحظة ضَعْف ثم يتأسف غير مدرك ما وراء إفشائه فلا تلوم الآخرين ولُمْ نفسك).