لا شك أن لدينا مبدعين في شتى المجالات، ولدينا مواهب في كثير من العلوم، وهذا الإبداع، وتلك المواهب تحتاج إلى مزيد من الصقل والتعلم كي تزداد توهجاً. ولكن وللأسف المبدع لا يهتم بتطوير موهبته وإبداعه، بل يعتمد على نجاح صغير وتصفيق حدث ذات مرة، كي يعيش في منطقة يشعر فيها بأنه قد أوشك أن يعانق السماء أو عانقها، فتجده يعزف عن كل ما قد يطور موهبته من دورة أو كتاب أو نصيحة. ويظل المبدع هاوياً لا يتقدم في موهبته إلى درجة الاحتراف لأسباب كثيرة، منها أنه يعتقد أن تلك الموهبة لا تستحق أن تأخذ منه وقتاً وجهداً لتطويرها، فهو يراها لا تصلح أن تكون مصدر رزق دائماً، وثانٍ يعتقد أنه بهذا المستوى الذي وصل إليه فهو كافٍ كي يتألق، ويبدع أكثر، وآخر يراها عابرة لا يمكن أن يظل يمارسها في عمر أكبر. لذا فالمبدع يعتمد على الارتجالية في تقديم عمله وفنه، رامياً إلى عوامل أخرى في حال فشله وظهور عمله في صورة لا تسر، وأكاد أجزم أن بعض هؤلاء لم يقرأ كتاباً في فنه، ولا حضر دورة في موهبته، فهو يراها معدومة الفائدة، أو يمكنه الإبداع دونها، ولربما للكسل نصيب وافر في ذلك، لذا تجده يسير في موهبته دون أن يتقدم بخطوات سريعة في ذلك.
لقد رضي كثير من المبدعين أن يظلوا هواة غير محترفين، يتقاضون أجراً ضئيلاً لقاء ما يقدمون، يعرفون القليل عن خبايا موهبتهم وفنهم، ولربما تحول أحدهم وترك موهبته، وعندما تسأله عن السبب رمى بكل سبب دون أن يذكر عدم اهتمامه بصقل موهبته. ولا يقف الأمر عند ذلك، فتجده غير مبالٍ أيضاً في تنفيذ عمله، أو لا يحضر في وقت كافٍ لمعرفة ظروف المكان الذي سينفذ فيه عمله، ولا أن يختبر الأدوات التي سيتعامل معها، أو أن يجري تجارب قبل أن تظهر للعلن. وهناك من لا يعطي موهبته الوقت الكافية للعمل والتنفيذ، فيتخاذل في تنفيذ العمل المطلوب منه، بانشغاله بأمور تافهة، فتضيع منه الفرص، ويبقى في المربع الذي وصل إليه، ولربما تراجع خطوات إلى الوراء.
لقد ظهرت في بلادنا مؤسسات كثيرة خيرية وتجارية، تقدم دورات، وتحتضن الموهوبين، وتساعدهم على صقل مواهبهم والمضي قدماً فيها، لذا حريٌ بكل مبدع أن يطرد الكسل، ويزيح التراب، ويصحح الفكر، وأن يعرف أن الاحتراف في الموهبة يقود المبدع إلى نجاحات هائلة، ولربما حقق من ورائها ما لم يحلم به من مال وسمعة واسم تجاري.
** **
- عبد الله بن ناصر الداود