د.حسن مشهور
أدعو معشر الأدباء إلى الكفر بالمتنبي وببيته الشعري هذا وإلى مقاطعته فهو أي المتنبي «سارق الفرح» و»منبع الكآبة»
د.حسن مشهور
وسبب طرح هذا السؤال، هو تلك القصائد التي كتبها بعض شعرائنا العرب في مناسبات سعيدة كالعيد، ولكنهم حملوا تعابيرها بكمية من الحزن تجعلك كقارئ تنتقل من مربع الفرح والشعور بالرضا الحياتي والتصالح مع الذات، إلى مدارات الشعور بالانكسار والحزن الذي لا يوجد في حياتك الخاصة فلا مبرر لشعورك به.
ربما أن الأديب يملك منظارا ذاتيا يمكنه من رؤية العالم من زوايا مختلفة فيرقب الجوع والموت والحروب، وينعكس مجمل ذلك على «أناه» الفاعلة. الأمر الذي يولد لديه الشعور بالحزن، وهو ما يعكسه في بعض نصوصه التي نقرأها فتتولد لدينا حالة نفسية يمكن أن أسميها «انتقال الأثر» الشعوري، فينبعث لدينا حينها إحساس وشعور بالحزن وتتحول سعادتنا إلى شعور بالحزن غير المبرر الذي يخيم على يومنا ويثقل في ذات الوقت صدورنا.
أي أننا نتماهى مع شعور هذا الأديب أو الشاعر، وهي حالة من التشاركية السيكولوجية التي تتولد لدى الأشخاص الذين يملكون قلوبًا طيبة وأحاسيس مرهفة.
وهذا الأمر، وإن كان مؤشرا على نجاح هذا الشاعر في تصدير مشاعره الآنية، ونقل أحاسيسه تجاه الموجودات الحياتية التي عايشها في نصه الشعري الذي قرأناه فتأثرنا به، إلا إن السؤال المبرر، هو: ما ذنبنا نحن كقراء أن يتحول يومنا الاعتيادي، إلى يوم مثقل بالكآبة وبمشاعر الحزن الانكسار غير المبرر.
يحضرني في هذا المقام البيت الشعري الشهير من قصيدة «ديمومة الحزن»، لشاعرنا العربي الرمز أبي الطيب المتنبي الذي ضمنه مع أبيات شعرية أخرى تعمل بشكل تكاملي كي تكرس أثره النفسي السلبي المتصاعد على نفسية المتلقي، وذلك حين قال:
عِيدٌ بِأَيَّةِ حَالٍ عُدْتَ يَا عِيدُ
بِمَا مَضَى أَمْ بِأَمْرٍ فِيكَ تَجْدِيدُ
أَمَّا الْأَحِبَّةُ فَالْبَيْدَاءُ دُونَهُمُ
فَلَيْتَ دُونَكَ بِيدًا دُونَهَا بِيدُ
لَوْلَا الْعُلَا لَمْ تَجُبْ بِي مَا أَجُوبُ بِهَا
وَجْنَاءُ حَرْفٌ وَلَا جَرْدَاءُ قَيْدُودُ
وَكَانَ أَطْيَبَ مِنْ سَيْفِي مُضَاجَعَةً
أَشْبَاهُ رَوْنَقِهِ الْغِيدُ الْأَمَالِيدُ
لَمْ يَتْرُكِ الدَّهْرُ مِنْ قَلْبِي وَلَا كَبِدِي
شَيْئًا تُتَيِّمُهُ عَيْنٌ وَلَا جِيدُ
يَا سَاقِيَيَّ أَخَمْرٌ فِي كُئُوسِكُمَا
أَمْ فِي كُئُوسِكُمَا هَمٌّ وَتَسْهِيدُ
أَصَخْرَةٌ أَنَا مَالِي لَا تُحَرِّكُنِي
هَذِي الْمُدَامُ وَلَا هَذِي الْأَغَارِيدُ
وإن كان المتنبي قد كتب قصيدته هذه التي قصد بها توجيه كمية من «السباب»، و»الشتيمة»، ولن أقول «الهجاء» لحاكم ووصي عرش مصر آنذاك كافور الأخشيدي، لكون الأخير قد عرف نوازع المتنبي ومبتغاه الباعث له طموحه الذاتي أن يحصل على إمارةٍ وأن يعين حاكمًا لها. وإن كنت أعتقد بأن ما جبل عليه المتنبي من خلق، وتركيبته النفسية ونرجسيته وأناه المتضخمة، لن تجعلاه يبقى على ولائه لمن عينه واليًا، وإنما سيسعى جادًا للاستقلال بالسلطة، مما سيدخله في صراع سياسي وعسكري مع من ولاه السلطة، بالإضافة إلى أن تقديسه لذاته وشعوره المتعاظم بالفرادة، وبأنه الحاكم المنتظر والمخلص للأمة، لن يمكنه من أن يسوس الناس وفق ذلك المنطق السياسي الذي وضعه لبناته الأولى الحاكم الأموي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وأعود لموضوع المقال الرئيس، فأقول إن خيبة المتنبي في أن ينال مراده وحنقه على كافور الأخشيدي، إلى جانب فشله من قبل في محاولة سابقة جرت مع مؤسس إمارة حلب، وأعني به علي بن الهيجاء الذي عرف لدينا بلقبه الشهير سيف الدولة الحمداني وأمير الدولة الحمدانية، كان يهدف المتنبي من خلالها أن يحقق أجندته، ومراده وأطماعه في السلطة. مجمل ذلك قد زاد من حنق المتنبي وأوغر صدره على الجميع وعلى رأسهم الأخشيدي كافور، وكرس لديه شعور بالكره تجاه الآخر، وزاد من نظرته السوداوية للحياة والناس. فأنشد قصيدته الهجائية هذه، وأورد في مفتتحها بيته الشعري السوداوي هذا، فكنا نحن من قرأ وكنا نحن من عانى من الشعور بالحَزَنِ والكآبة غير المبررة.
الغريب في الأمر أننا في كل عام نردد دون شعور هذا البيت، ومن ثم فنحن نوحي بلا قصد لأنفسنا بمشاعر الحزن والشعور بالانكسار مرةً تلو أخرى. لذا فأنا من منبري الكتابي هذا أدعو معشر الأدباء إلى الكفر بالمتنبي وببيته الشعري هذا، وإلى مقاطعته فهو، أي المتنبي «سارق الفرح»، و «منبع الكآبة».
والآن ونحن نستقبل عيد فطر عامنا هذا الذي أدعو الله أن يعيده على قيادتنا السعودية الكريمة وشعبنا السعودي ا لأشم، أعوامًا مديدة ونحن نرفل في ثوب الخير والعافية والأمن والأمان، فإني أوجه للجميع وأولهم شخصي المتواضع، دعوةً مفتوحةً للفرح.
فلنفرح ولنحتفل بعيدنا هذا، ولندعو الله أن يجعل أيامنا كلها أعيادا، وكل عامٍ والجميع بخير.