الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
دعت دراسة علمية إلى بناء جسر الحوار بين الحضارة الإسلامية والحضارة الصينية مواجهة لنظرية صدام الحضارات من خلال إقامة المؤتمرات الدولية وتبادل الزيارات العلمية بين الجهات المعنية في البلدان العربية الإسلامية والصين حتى إنشاء المراكز الأكاديمية للدراسات العربية الصينية في بعض الجامعات خدمة للطرفين من النواحي الشرعية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وأكدت الدراسة العلمية المعنونة بـ«اهتمامات المسلمين في الصين بالقضايا المحلية الإسلامية المعاصرة.. دراسة وصفية تقويمية» للباحث الصيني تشان شيويه جون، ونال بها درجة الدكتوراه من قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة بالمعهد العالي للدعوة والاحتساب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأشرف على الرسالة معالي الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد سابقاً.
أكدت الدراسة على ضرورة اهتمام العالم الإسلامي المتمثل في رابطة العالم الإسلامي، والندوة العالمية للشباب الإسلامي بواقع الإسلام وأحوال المسلمين في جمهورية الصين الشعبية، كما أن على الجامعات في البلدان العربية والإسلامية أن تكثر من قبول الطلاب الصينيين في التخصصات الشرعية في الدراسات العليا بأكبر قدر ممكن، وتيسر إجراءاته.
وشددت الدراسة على تعاون المؤسسات التعليمية والعلمية من الجامعات بالدول الإسلامية مع الجهات العلمية الصينية، والباحثين المسلمين الصينيين في دراسة القضايا المعاصرة التي يواجهها إخوانهم المسلمون في الصين؛ لتقديم الحلول المناسبة لظروفهم الخاصة، وفق منهج أهل السنة والجماعة، مع استضافة الباحثين المسلمين الصينيين إلى المراكز البحثية، والأكاديمية الرسمية في الدول العربية، والإسلامية على كفالتها؛ لمساعدتهم على إجراء الدراسات العلمية التي تهم بني جلدتهم، وتشجعهم على تعريف العلماء المسلمين الصينيين، وجهودهم العلمية التي قدموها في خدمة الإسلام، واللغة العربية في الصين، مع مبادرة المؤسسات أو الجهات التعليمية، مثل مجمع الملك سلمان العالمي لخدمة اللغة العربية إلى مساعدة المعاهد والمدارس الإسلامية الخاصة في إعداد معلمي اللغة العربية، والعلوم الإسلامية الأخرى، من خلال إقامة الدورات التدريبية والمهنية التي ترفع من كفاءاتهم، وتنمي قدراتهم التعليمية، وتطور مهاراتهم حضوريًا، أو عن بعد؛ ليؤدوا دورهم بأحسن صورة بإذن الله تعالى، والسعي إلى إقامة الندوات والمنتديات الخاصة لدراسة القضايا الإسلامية المعاصرة الصينية، وما يهتم به المسلمون في الصين بشكل مستمر فصلية، أو سنوية.
وأوضحت نتائج الدراسة أن الإسلام وصل إلى الصين وفق القول الأرجح، والأقرب في سنة 31هـ، الموافق 651م بصورة شبه رسمية في عهد دولة أسرة تانغ الملكية (618-907م، الموافق 618م-294هـ)، مع مناقشة الأقوال الواردة في هذه المسألة، ولكن لا يستبعد عن وصول الإسلام إلى الصين قبل هذا التاريخ، عن طريق التجار من البلدان العربية، وبلاد الفارس، كما بينت الدراسة من خلال الوثائق التاريخية أن الإسلام وصل إلى الصين عن الطرق التجار المسلمين، العرب والفتوحات والزواج، والبعثات، والوفود،
مشيرة إلى أن المسلمين في الصين يتكونون من عشر قوميات مختلفة، كما المتعددة من تم عرضها في موضعها بالإضافة إلى عدد قليل ممن اعتنق الإسلام من قومية هان، والمنغول، والتبت، وأيضًا توصلت الدراسة إلى أن عددهم المقدر قرابة مائة وستة وعشرين مليون نسمة، بعد تحليل الأرقام، والأقوال المتوافرة لدى الباحث، مبينة الدراسة أن للمسلمين في الصين جهودًا علمية جيدة في خدمة القرآن الكريم ترجمة، ودراسة، وهي تتمثل في ترجمة معانيه إلى اللغة الصينية مع تأخرهم في هذا العمل المبارك، وما هو إلا لخوفهم من الوقوع في تحريف كلام الله العظيم عن مواضعه، كذلك تفسير القرآن المجيد بلغتهم، وترجمة الكتب المتعلقة به وتأليفهم حول موضوعات القرآن، وتفسيره.. إلخ، كما أن للمسلمين في الصين جهودًا علمية مشكورة في خدمة السنة النبوية، ترجمة، ودراسة وهي تتمثل في ترجمة مختارات من الأحاديث النبوية، ثم كتب السنة كالكتب الستة، وبعض كتب مصطلحات الحديث، وكذلك تأليفهم حول السنة النبوية بعض الدراسات الموضوعية، ولها آثار كبيرة في نشر التعاليم الإسلامية بين المسلمين في الصين.
وكشفت الدراسة أن المسلمين في الصين اهتموا باللغة العربية اهتمامًا كبيرًا، تعلماً، وتعليمًا، وأن لهم دورًا كبيرًا جدًا منذ الزمن القديم إلى عصرنا الحديث في نشرها في الصين، وفي الدفاع عنها، وفي تطويرها باعتبارها لغة القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وأثبتت الدراسة أن للمسلمين في الصين إسهامات عظيمة؛ إذ إنهم ممن نشرها، وحفظها في العصور القديمة، ثم إنهم طوروها وبادروا إلى تعليمها في الجامعات الصينية في العصر الحديث، وأعدوا المعلمين الأكفاء باللغة العربية، الذين يخدمون وطنهم، وأمتهم في المجالات المختلفة التعليمية والبحثية والاقتصادية والدبلوماسية، والتجارية، وكشفت أن تعليم اللغة العربية في الصين، خاصة في المدارس الأهلية، يعاني من مجموعة من الإشكالات، والتحديات، مثل نقص المدرسين الأكفياء، ونقص المصادر، والمراجع في علوم اللغة العربية والتناقض بين نسبة القبول، ونسبة التوظيف، كما قدمت الدراسة عددًا من المقترحات لتطوير عملية تعليم اللغة العربية في الصين، ومنها على سبيل المثال: السعي إلى بناء فريق التدريس المتمكن، وتطوير برنامج الدراسات العليا، وإعداد الباحثين في التخصص الدقيق والدعم المضاعف على النشاطات البحثية، والدراسات الأكاديمية. لاسيما في عصر العولمة.
وأبانت الدراسة أن تاريخ الحوار، والتبادلات الودية بين البلدان العربية والصين، يرجع إلى ما قبل ألفي سنة، واستمرت تلك العلاقة الحسنة إلى يومنا هذا؛ فإجراء الحوار بين الحضارتين العظيمتين، اقتصاديا وثقافيًا، ودبلوماسيًا قضية مهمة من القضايا العالمية المعاصرة، مشيرة إلى أن من أبرز مجالات الحوار التي تلح الحاجة إليها بين الحضارة الصينية والحضارة الإسلامية الأزمة الإيكولوجية، وحماية البيئة أزمة السلام العالمي، وأزمة الأخلاق العامة.
وأثبتت الدراسة أنه توجد نقاط مشتركة بين الحضارتين في تلكم المجالات الثلاثة الرئيسة، من خلال القيام بالمقارنة بين ما ورد في القرآن والسنة من الأدلة المتعلقة بها، وبين ما دون في المصادر التراثية المعتمدة الصينية من الأقوال والتوجيهات في معالجة تلك الأزمات، كما كشفت الدراسة أن مفهوم الحلال غير واضح لدى بعض المسلمين في الصين، وعدد من الجمعيات الإسلامية، حتى أنهم يرون أن الحلال ما يتوافق مع عادات، وتقاليد الأقليات القومية، فتمت مناقشة تلك المفاهيم غير الصحيحة، وفق الأدلة القرآن الكريم، من والسنة النبوية الشريفة، مع تعريفه الشرعي، مبينة أهمية إقرار أنظمة الاعتماد على المنتجات الحلال في جمهورية الصين الشعبية من الناحية الشرعية، ومن الناحية الاجتماعية، كاشفة الدراسة الإشكالات الموجودة في سوق المنتجات الحلال، واقترحت بعض الحلول لمواجهة تلك الإشكالات، كما هي مبينة في مواضعها.
وأبرزت الدراسة الدعوة الإصلاحية التي نشأت في بلاد الصين، وترجمت لصاحب هذه الدعوة الإصلاحية، المباركة، ووصفت أهم أفكاره الإصلاحية التي صاحبه الشيخ نوح سعي إلى نشرها، وتحقيقها بين المسلمين في الصين، وانتهت الدراسة إلى أن الشيخ المصلح نوح ما وان فو تأثر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تأثرًا نسبيًا، وأنه استفاد من أفكارها الإصلاحية؛ لكون الشيخ لم ينقل دعوة من الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الصين كما هي في نجد، بل كيفها مع البيئة الصينية، والأحوال الاجتماعية، والأوضاع الدينية في منطقته، فيمكن القول بأن الشيخ نوح استفاد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كبذور ثم زرعها في الصين، فنشأت، وأثمرت في بلاد الصين، ولله الحمد، والمنة، مشيرة الدراسة أن للدعوة الإصلاحية التي قام بها الشيخ نوح ما وان فو آثارًا عظيمة مباركة في أغلب أنحاء الصين في إعادة الناس إلى دين وإصلاح ما لديهم من الله الأخطاء، ولا تزال تؤثر في الناس حتى يومنا هذا.