محمد سليمان العنقري
الادخار والاستثمار وتوجيه الإنفاق للأساسيات تعد من أهم ركائز محو الأمية المالية وما يحقق النجاح فيها أن تنتشر الثقافة المالية منذ سن مبكرة، فمن شب على شيء شاب عليه، بل إن من معايير تقييم مدى الوعي المالي بأي مجتمع هو نسبة مدخراتهم من حجم مداخيلهم التي يفترض أن تتراوح حول عشرة في المائة ولذلك فإن التعاون بين كافة الجهات ذات العلاقة برفع ثقافة المجتمع بالادخار وتوجيه الانفاق بالشكل الصحي يعد من أهم البرامج التي يفترض أن تتطور وتتوسع بالمجتمع.
وقد يكون السائد في مجتمعاتنا أساليب ادخارية قائمة على اجتهادات شخصية لا تضع أهدافاً واضحة لمستقبل هذه الأموال وأين يجب أن تتوجه حتى يتسنى للأفراد والأسر المدخرة بناء أصول ذات ديمومة وعائد يسهم في تأمين متطلبات الحياة وتطورات الالتزامات المالية بين فترة وأخرى كتأمين التعليم والصحة والمسكن وغيرها.
ولذلك نجد جزءاً كبيراً من المدخرات ذهب للمضاربة في أسواق المال مما أدى إلى تحقيق خسائر كبيرة نظراً لهامش المخاطرة الكبير فيها ومما زاد الأمور تعقيداً هو الرغبة بتنمية المداخيل من خلال الحصول على الائتمان لرفع رأس المال اختصاراً للزمن المطلوب لتأمين مستوى مادي أفضل يحقق كل الطموحات مما أدى إلى تفاقم المشكلة لدى الغالبية من المتعاملين بالسوق المالية عطفاً على ضعف قنوات الاستثمار التي بدورها أوجدت التركز مما ضخم أسعار الأصول المالية بفترات سابقة كما حدث في العام 2006 بسوق المال وكان ذلك الارتفاع بشكل سريع أدى إلى انهيارها.
ومن الضروري القول إن هناك مساهمة من المؤسسات المالية بعدم تقديم، ليس فقط النصح عند طلب الائتمان أو توجيه المدخرات بشكل متحوط يضمن أقل المخاطر، بل قلة المنتجات المطروحة للعموم خصوصاً لذوي الدخل المحدود فكان من المهم توسيع قاعدة الادخار وعدم اعتبار أن ضعف الدخل عامل غير مساعد على الادخار الأمثل وتكريس النمط الاستهلاكي من خلال مغريات برامج التمويل التي أرهقت الغالبية.
فنجد في مجتمعات اقتصادية متقدمة مؤسسات مالية تقدم برامج كحساب تنمية الطفل حيث يتم فتح حساب ادخاري يشترط فيه عدم السحب منه أو تصفيته قبل أن يبلغ الطفل سن الثامنة عشرة ويتم إيداع مبالغ بسيطة فيه مع ربطه بمنتجات استثمارية عالية الجودة وقليلة المخاطرة تسهم مثل هذه الحسابات الادخارية بتأمين مستقبل الطفل التعليمي وتأمين أهم الاحتياجات له عند دخوله مرحلة تحديد مستقبله مما يخفف الأعباء على الأسر خصوصاً كبيرة العدد فنجد أن حجم الإيداع لا يتعدى 10 دولارات شهرياً.
كما يسهم هذا النوع من الحسابات بتأمين سيولة للمؤسسات المالية قليلة التكلفة تساعدها على التوسع بتملك أصول واستثمارات ذات أثر إيجابي على كل الأطراف ولا تقف المسألة عند هذا النوع من المنتجات فهناك إمكانية لفتح حسابات ادخارية للأقل دخلاً تقوم على نفس المبادئ وبطرق تساعدهم على بناء الأصول من خلال الاستفادة من المنتجات المقدمة وبالتالي تحسين دخلهم وادخارهم مما يسهم بتحقيق الصحة المالية من خلال رفع عدد المتعاملين مع المؤسسات المالية.
إن مكافحة الأمية المالية تبدو من أهم البرامج التي يجب توسيع نطاق عملها بإشراف ودعم من الجهات المختصة وبمساندة عملية وعلمية من المؤسسات المالية ومناهج التعليم بمختلف المراحل فوجود مؤسسات تمول المشاريع الصغيرة اليوم لا يمكن أن تفي بحاجات المجتمع المتزايدة بل تحتاج إلى توسيع قاعدة المساهمة من كل الأطراف حتى تتوفر العوامل المساعدة على تحقيق الطرق المثلى لعملية بناء الأصول وإدراتها بأسلوب يعود بفائدة كبيرة على المجتمع ومكوناته خصوصا مع التطورات الايجابية التي يشهدها القطاع المالي من خلال البرنامج القائم للنهوض به وهو أحد برامج رؤية 2030.