م. بدر بن ناصر الحمدان
مصطلح «الخوف من الفراغ» شكل هاجساً معمارياً وعمرانياً لدى المتخصصين في عمارة البيئة المكانية سواء على مستوى الوحدة المعمارية ذاتها أو على مستوى التصميم العمراني للحيز المحيط بها، وهذا المصطلح يعبر عن الرغبة الدائمة لدى المصممين في ملء كافة الكتل والفراغات ومساحات العمل بالتفاصيل، والقلق من تركها فارغة، وهذا ما يفسر ظهور بعض الأماكن المكتظة بالمفردات والعناصر وعدم قدرتها على البقاء فارغة لعدم الإيمان بقوة ذلك الفراغ العمراني أو تلك المساحات المعمارية غير المشغولة بشيء ما.
في التعامل مع مستوى التدخل أثناء عمليات ترميم وإعادة تأهيل مبان ومواقع التراث العمراني تظهر أهمية القضاء على «الخوف من الفراغ» لضمان المحافظة على الثقل النسبي لهذه المواقع كتراث عمراني ثقافي إنساني فريد لا يقبل المساس بخصوصيته المعمارية والعمرانية والتي تهددها الإضافات غير المبررة بهدف تعزيز وظائف المكان - مهما كانت جمالياتها -، دون اعتبار أو فهم أن المساحات الفارغة قد تتفوق وظائفها على ما هو مبني، وهذا ما يقودنا إلى تعزيز ثقافة خفض مستوى التدخل لأدنى حد حين إدخال المعالجات على أعمال ترميم وتأهيل المواقع الثقافية.
عبارة «الأقل هو الأكثر» التي صاغها المعماري (مس فان دي رو) تمثِّل أحد روافد التوجه المناهض للنزعة الإنسانية للخوف من الفراغ، بالاعتماد على الوضوح الكامل والبساطة المتناهية، وأعتقد أن توظيف هذا المنهج في أساليب المحافظة على التراث العمراني لا يقتصر على العمارة الحديثة فحسب، بل سيحقق نتائج مذهلة تنسجم مع معايير الأصالة والتكامل التي تعتمد عليها القيم الاستثنائية للمواقع الثقافية والحد من تشويهها معمارياً وعمرانياً لأننا نعتقد فقط أن الفراغ بلا وظيفة.