فضل بن سعد البوعينين
برغم أعداد المعتمرين، والمصلين الكثيفة، وتسجيلهم رقماً تاريخياً ليلة 27 من رمضان، بلغ أكثر من 2.6 مليون مصل ومعتمر حقق موسم العمرة نجاحا لافتا، في جوانبه الأمنية والتنظيمية والخدمية والإعلامية، وتكاملا استثنائيا بين القطاعات الحكومية الأمنية والمدنية، ما أسهم في تحقيق ذلك النجاح الكبير الذي تفخر به المملكة وتعتبره من أهم إنجازاتها، خدمة للحرمين الشريفين، ولضيوف الرحمن.
تمكين ضيوف الرحمن من أداء نسكهم، بيسر وسهولة، وتحقيق أمنهم، هو غاية الحكومة السعودية التي جندت كل إمكاناتها لتحقيق ذلك الهدف السامي.
نجاح موسم العمرة لم يكن مرتبطا بالخطط الأمنية والتنظيمية فحسب، بل بمشروعات كبرى وجهت لتوسعة المسجد الحرام، وزيادة طاقته الاستيعابية، وتطوير المنطقة المحيطة به، ما أسهم في تحقيق النجاح والتيسير على المعتمرين والمصلين.
تتصف مشروعات توسعة وتطوير المسجد الحرام بالاستدامة، وارتباطها بالحاجة الحالية والمستقبلية، وفق رؤية شاملة لتطوير مكة والمشاعر المقدسة. إنشاء الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتولي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رئاسة مجلس إدارتها، يعكس حجم اهتمام القيادة بها، والإصرار على تحقيقها نقلة تنموية استثنائية تمكنها من استقبال أكثر من 30 مليون معتمر، بحلول العام 2030، وهي من أهم مستهدفات الرؤية.
عمارة المسجد الحرام وتوسعته لاستقبال ضيوف بيت الله الحرام، هو الإنجاز الأهم الذي تحرص على تحقيقه القيادة السعودية، وهو ما تؤكده مشروعات التوسعة الأولى، والثانية، اللتان تم إنجازهما، والتوسعة الثالثة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وتضمنت إطلاق خمسة مشاريع رئيسة ضمن المشروع الشامل للتوسعة السعودية الثالثة، وهي مشروع مبنى التوسعة الرئيسي، ومشروع الساحات، ومشروع أنفاق المشاة، ومشروع محطة الخدمات المركزية للمسجد الحرام، ومشروع الطريق الدائري الأول المحيط بمنطقة المسجد الحرام. منظومة شاملة من المشروعات المحققة للتكامل التنموي والخدمي فيما بينها، بالإضافة إلى مشروعات قادمة تضمن بإذن الله، استكمال خطط التطوير التي رسمتها رؤية المملكة 2030.
أمن وسلامة المعتمرين والمصلين، شكل أولوية لحكومة المملكة. وبالرغم من ثقل مهمة رجال الأمن، وتعاملهم مع ثقافات مختلفة من المعتمرين والمصلين، إلا أنهم نجحوا بكفاءة عالية في تحقيق أمنهم وسلامتهم، وإدارة الحشود بطريقة سلسة، وإنسانية، تعكس كفاءة وجودة الخطط الأمنية المطبقة في المسجد الحرام والمنطقة عموما، وكفاءة رجال الأمن وإنسانيتهم، ورقي تعاملهم مع المعتمرين.
تعبير رجال الأمن عن فرحتهم بنجاح موسم العمرة، وسط أجواء من البهجة والسعادة، بعد إكمال مهمتهم بنجاح، عكس عظم المسؤولية التي يتحملونها، والفخر الذي يشعرون به، واعتزازهم بأداء الأمانة الموكلة لهم. لذا لم يكن مستغربا تناقل وسائل التواصل الاجتماعي بالمقطع المبهج الذي وثق فرحتهم بعد صلاة عيد الفطر عقب انتهاء مهمتهم بنجاح في خدمة ضيوف الرحمن. مقاطع أخرى تم توثيقها بطرق عفوية، انتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي عكست صورة رجال الأمن الإيجابية، ونوعية الخدمات المقدمة، للعالم أجمع.
جهود مكثفة قامت بها رئاسة الحرمين الشريفين، والقطاعات الحكومية، أمنية ومدنية، إضافة إلى جهود قطاع الضيافة والمتطوعين أسهمت في إنجاح موسم العمرة، والتأكيد على كفاءة المملكة وقدراتها الاستثنائية لخدمة ضيوف الرحمن، إضافة إلى جهود الإعلام السعودي بجميع وسائله ومنصاته الحديثة، الذي نجح في نقل صورة مشرفة عن المملكة وجهودها في توسعة الحرمين وعمارتهما، وخدمة ضيوف الرحمن.
انشغال الحكومة السعودية وتجنيد كافة طاقاتها لخدمة ضيوف الرحمن، وتحقيق أمنهم وسلامتهم، لإنجاح موسم العمرة، لم يحل دون متابعتها شؤون مواطنيها في الخارج لتحقيق أمنهم وإعادتهم سالمين إلى أرض الوطن، حيث شهد السودان عمليات إجلاء مكثفة للمواطنين السعوديين إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.
وفي بادرة إنسانية مدت المملكة يد العون لرعايا الدول الشقيقة والصديقة، وكثفت عمليات الإجلاء من أجلهم، فتحولت سفارة المملكة في السودان إلى ملاذ آمن لرعايا الدول الباحثين عن النجاة.
ليست المرة الأولى التي تجند المملكة طاقاتها لإجلاء رعاياها في الأزمات، ولعلي أشير إلى أزمة جائحة كورونا التي شهدت أكبر عمليات إجلاء ورعاية واستشفاء للمواطنين السعوديين، إضافة إلى أزمة اليمن التي شهدت إجلاء أعداد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة. تنفذ المملكة متطلبات حقوق الإنسان وفق رؤيتها الإسلامية والإنسانية، بعيدا عن الشعارات العالمية الجوفاء، التي أثبتت الأزمات أن الغرب أول المتخلين عن حقوق رعاياهم، في مقابل الدور المحوري الذي تقوم به المملكة لإنقاذ رعاياها، ورعايا الدول الأخرى، بمسؤولية وإنسانية تعززها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
جهود كبيرة تقوم بها القيادة السعودية، تذكر فتشكر، وأعمال جليلة تقدمها للعالم، خدمة للإنسان، وحماية لأمنه، وتأكيدا على أن تعاملها الإنساني ينطلق من قاعدة إسلامية راسخة تؤمن بها، وتنفذ متطلباتها تقربا إلى الله، وتنفيذا للتعاليم الدين الحنيف.