إيمان حمود الشمري
هذا المقال تكملة لمقال الأسبوع الماضي:
لا يمكن أن تضع خطة تطوير وانتقال لمرحلة جديدة دون أن ترى مواطن الضعف والخلل لديك, لذا انطلقت مسيرة التحديث الصيني من محطة التعثر، من مرحلة النقص والتخلف. بدأت بالحرب على معوقات التنمية، وكافحت كل ما يعيق مسيرتها ثم انتقلت للمرحلة الثانية، فكان التحديث الصيني هو الخيار الطبيعي للصين بعد أن هيأت أرضية البناء، فحققت أكبر معجزتين: تطور اقتصادي سريع واستقرار اجتماعي طويل الأمد، وكل ذلك تم عندما أولت الصين الاهتمام بالإنسان، لأنها تؤمن أن الآداب والأخلاق تتوفر عندما يتوفر الغذاء والكساء، فسعت لبناء الإنسان بمحاربة الفقر وتحقيق العدالة والمساواة بين طبقات المجتمع، والاهتمام بجانب الصناعة والتجارة والزراعة والتكنولوجيا والاستثمار لخلق فرص عمل وكسب للشعب، لأن القيم المجتمعية لا تنشأ في الشعوب الجائعة، وأن تأمين حياة المواطن وإزاحة القلق عنه سوف ينعكس ويسهم في بناء الدولة.
هذا النموذج بالانشغال بالنفس الذي خلقته الصين يعتبر طموحاً لأي شعب ويمكن لأي دولة أن تحقق تحديثاً خاصاً بها بالطريقة التي تناسبها وتناسب ظروفها، وثقافتها وتاريخها، وتبتعد عن أي نسخ لنماذج أجنبية لا تنسجم مع متطلباتها وقد تأتي بنتائج عكسية، وهذا ما تقوم به المملكة حالياً في رؤية 2030 بما يتناسب مع احتياجها ومقاييس بنائها ونهضتها، فكانت أول خطوات الرؤية بمكافحة الفساد وقطع يده بمعول من حديد، ثم انتقلت لمرحلة البناء وإنشاء عدة هيئات داخل الرياض وخارجها لتحقيق مستهدفات الرؤية ومراقبة مسيرتها، كما فتحت الرؤية أبواب توظيف وفرص عمل للشباب، وحاربت البطالة ليسجل سوق العمل السعودي أرقاماً تاريخية لم تتحقق من قبل بمعدل انخفاض البطالة للربع الرابع من عام 2022 الذي وصل إلى (4.8 %) لإجمالي السكان و(8.0 %) للسعوديين.
لا شك أن تحديثاً يسلك طريق التنمية السليمة وفق خطوات مدروسة سيأتي حتماً بنتائج مؤكدة، إذ يسعى التحديث الصيني أيضاً لرفض مبدأ الهيمنة والسيطرة، لأنه يتعارض مع الثقافة الصينية، ولأن مواطن القوة في مواقف الصين السياسية تكمن في دور الوساطة والحياد، وليس تأجيج الصراعات بين الدول، وهذا ما يؤكد أن التحديث الصيني هو شأن لا يخص الصين فقط، وإنما سيصب في مصلحة الجميع، وسيخلق فرصاً كبيرة للسلام العالمي والتطور. وحتى تاريخ نشر هذا المقال لازالت عيوننا تراقب الصين بإعجاب عن كثب لنرى المزيد من التطور والتألق والإبهار لهذا البلد الذي يمضي قدماً للأمام دون التفات.