د. تركي بن عبدالمحسن بن عبيد
العلوم المرتبطة بالإنسان والمجتمع ويتمُّ تطبيق المنهج البحث العلمي في دراستها، لكن نتائجها لا تأخذ نفس درجة تعميم نتائج العلوم الطبيعية. فهي نتائج محدودة بزمانٍ محدد وبمجتمعٍ مُحددٍ وبظروفٍ محددةٍ. فمثلاً يمكن تطبيق المنهج العلمي في تحديد معدل التضخم 5 %؛ وهنا يجب تحديد زمن محدد وكذلك دولة محددة، وهكذا. وهذا بالضرورة ينفي أن يكون للإدارة قوانين ثابتة يمكن تعميمها كقوانين الفيزياء والكيمياء.
إدارة فن البحوث كعلم: الإدارة علم له أصوله وقواعده ونظرياته، ويمكن تطبيق المنهج العلمي في دراسته والتحقق منه؛ حيث يمتاز المنهج العلمي بمميزات ومن بينها: الموضوعية، وقابلية إثبات النتائج، والقابلية للتعميم، وإمكانية التنبؤ بالنتائج، والمرونة. ويزيد في الناحية العلمية الموضوعية للإدارة أن هناك جوانب مادية تتعامل معها وبها الإدارة، وهذه يمكن دراستها وإخضاعها للتجارب تماما كما تخضع المواد في المختبرات العلمية للتجارب.
كما قامت مدارس إدارية على تطبيق المنهج الرياضي والإحصائي في دراسة المشكلات الإدارية وهذا يعمق الجانب العلمي في الإدارة.
الفنون الفلسفة العلمية: وفي الجانب المقابل فإن للإدارة جانبا فنيا فلسفيا فهي تتعامل مع الإنسان والمجتمع، وهي تتعامل مع جوانب غير مادية في الإنسان والمجتمع، كما أنَّها تواجه مواقف كثيرة تحتاج فيها إلى الخبرة والحكم الشخصي والإبداع والمناورة واستنباط العلاقات، وهذا ما يجعل فيها لمسة فنية وضرباً فلسفياً لا يمكن لمدير ناجح الاستغناء عنها، وتؤثر الثقافة السائدة في المجتمع تأثيراً قوياً في هذا الجانب من الإدارة. وعليه يمكن استخلاص أن الإدارة علم وفن وفلسفة في ذات الوقت.
وقد وجدت الإدارة - كما سبق الإشارة - منذ القدم، ولكنها لم تعرف كعلمٍ إلا متأخراً، وكان مِن أهمِّ العوامل الَّتي ساعدت على عدم الانتباه إليها كعلم ما يلي:
1. خلال القرون القديمة والوسطى في أوروبا النظر إلى التجارة والأعمال التجارية كأعمال وضيعة. وقد عزّز هذا التوجه وصف الكتاب والفلاسفة لهذه الأعمال بأوصافٍ تحط من قيمتها كالفيلسوف أرسطو والكاتب الاقتصادي الأول آدم سميث الذي وصف التجار في كتابه ثروة الأمم بأنهم مجموعة من الخداعين الذين لا تتفق مصالحهم مع المصالح القومية للمجتمع، وهذا أدّى إلى عدم الاهتمام بالإدارة كعلم يمكن دراسته، وأدَّى إلى عزوف المفكرين الاقتصاديين والسياسيين عَن الإدارة.
2. النظر إلى الإدارة بأنها فن يعتمد على الموهبة الشخصية، والقدرات الذاتية، وليس بحاجة إلى دراسة.
3. الاهتمام بالنواحي الفنية والتقنية في المشروع، وزيادة مقدرته الفنية.
4. ضآلة حدة المنافسة، والطلب الكبير على المنتجات.
أمّا أهمِّ العوامل الَّتي ساعدتْ على الانتباه إلى أهمية الإدارة كعلم ما يُعرف في التاريخ الاقتصادي بالثورة الصناعية industrial revolution التي كان من أهم نتائجها ما يلي:
1. استبدال الجهد البشري والحيواني بالجهد الآلي.
2. ضخامة حجم منشآت الأعمال وانتقالها إلى الإنتاج الكبير mass production.
- البحث العلمي في الدراسة المشتركة بين العلوم الإدارية والعلوم الأخرى.