منال الخميسي
هل خطر ببالك وأنت تفتح حساباً ما للوصول إلى تطبيق من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيق تحصل منه على سلعة أو خدمة ما، إنك مادة خام للبيع والعرض والطلب؟
سرية المعلومات، تشابك مصالح الشركات، تبادل معلومات عن الأشخاص المستخدمين, الخصوصية, هي إحدى المزايا التي يسعى إليها غالبية أفراد المجتمع يشاركهم في هذا السعي، قاطنو البلدان المجاورة بل سكان العالم أجمع.
الكل يطمح أن تكون له حياته الخاصة معلوماته ومعارفه استراتيجيته الخاصة به لا يشترط فيها أن يكون مستواه المادي في أعلى حالاته أو أن يكون متمتعاً بوظيفة غاية في السمو قد لا يمتلك شيئاً غير بضع أفكار ويحفظ بإلكاد قليلاً من تواريخ أحداث هامة في حياته كيوم ميلاد أبنائه أو والديه وإخوته أو يوم زواجه.
وبما أننا في عصر رقمي بامتياز يستغني أفراده عن كل ما هو ورقي واستبداله بهاتف أو جهاز لوحي تدون عليه كافة الأحداث والمناسبات المعاملات البنكية وخطابات التواصل بين الفرد، ومن يربطه بمجتمعه.
حياتك كلها أضحت بين يديك وبين يدي آخرين أيضاً، في الماضي عندما كنا نريد أن نخلد للنوم قليلاً بعد وجبة غداء عائلي نسترجع فيه ذكرياتنا معاً يذهب كلٌّ منا إلى سريره مبتسماً وقبله يمكن أن يغلق الهاتف المنزلي يفصل عنه التيار الكهربائي أو يخرجه من الخدمة لحين استيقاظ أفراد العائلة وإن فكر أحد الأقارب أو الأصدقاء غير المتطفلين في الزيارة فإنك تكون على علم بها وغالباً تكون في غير أوقات الراحة, أما في وقتنا الحالي تغلق صوت هاتفك لترتاح قليلاً فإذا بأحدهم يُمطرك بوابل من الرسائل أين أنت؟ أنت متصل الآن, لماذا لا ترد؟
أنا أراك،،،،،، إلى آخره من العبارات التي تزعجك أكثر بمئات المرات من وضع أحدهم يده على جرس منزلك دون هوادة وأنت تغطُ في نوم عميق.
لا يقف اختراق خصوصيتك عند قريب أو صديق يأخذه العشم الزائد في كرمك وإنما تعدى أمر اختراق خصوصيتك إلى أبعد من هذه الأمور بكثير.
أنت الآن كائن جالب للاستثمار تباع وتشترى وأنت محاط بجدران منزلك الذي تظن أنك آمن به تحمل بيديك المادة الخام لهذا الاستثمار الذي لا تجني أنت منه أي شيء.
أنت الآن لا تستطيع العيش دون تطبيق يساعدك على الاتصال بأقاربك وأصدقائك دون دفع مبالغ طائلة ولكي يتم ذلك لابد أن تضع كل المعلومات الخاصة بك مفوضاً أصحاب التطبيق في الدخول إلى هاتفك بما يحمل من صور ومعلومات وحتى الكاميرا يمكن أن تكون متاحة وأنت لا تدري.
كلنا يلاحظ عندما يتحدث إلى عائلته عن موضوع ما أو حتى أمنية باقتناء شيء نفاجأ بوابل من الإعلانات الخاصة بما كنت نتحدث عنه أو عندما تحرك مؤشر البحث عن سلعة أو خدمة ما، كذلك ينتظرك عدد لا حصر له من الإعلانات والخدمات المدفوعة كي تجبرك على التعرض لها حتى وإن كنت لا تقصد البحث عنها حرفياً.
تطبيقات توصيل المواد الغذائية والسلع باختلافها تطلب منك رقم هاتفك ثم تفويضها في الدخول والبحث عن موقعك بل بالعكس تحدده أنت. في الماضي علاقتك بكل شيء كانت تنتهي بمجرد دخولك لبيتك تجلس مع عائلتك تخلو لأمك أو أبيك أو أحد إخوتك تخصهم وحدهم بأسرارك ومشاعرك وخططك وأمنياتك الآن يستطيع الكثير والكثير مشاركتك ودون علمك بكل هذه الأسرار عن طريقك أنت وبإرادتك أنت، فأنت تريد من يحمل عنك عبء الشراء وحمل الأطعمة وإرسال بيانات عملك ومراسلة مديرك وصديقك بدون تحمل عناء المواصلات والسفر وغيره للوصول لهدفك المطلوب منك فقط أن تضع كل بياناتك والمعلومات الخاصة بموقعك وأنت في نفس الوقت تقول بينك وبين نفسك ما الذي يضرني لو وضعت تلك المعلومات؟ من أنا كي يهتم أحد بتتبعي أو الاكتراث لأمري؟ أنا لا أفعل شيئاً يرقى إلى درجة أن يتجسس علي أحد، وأنت بهذه الكلمات توقع بيدك عقداً يجعل منك سلعة يتداولها الآخرون، عقداً يستغل كل خطوة من خطواتك وكل فعل من أفعالك كي يحركك اقتصادياً.
هناك العديد من الشركات والمؤسسات التي تتعامل مع أعداد كبيرة من الجماهير كشركات التأمين والاتصالات تتعاقد مع أصحاب التطبيقات التي تستخدمها كي تعرف توجهاتك ومستوى دخلك عدد المرات التي طلبت فيها سلعة بعينها ومن ثم التعرف على مكانك أيضاً لتحديد المستوى المعيشي كي تضعك في الفئة التي تحدد هي لها مدخلاً اقتصادياً عن طريق إعلاناتها لك وتقديم عروض تناسب دخلك بل وتحدد أيضاً ما هو الأسلوب الذي يقنعك وبالتالي تنجح بمشاركة تطبيقات هاتفك في أن تتحكم بسلوكك الشرائي وتوجيهه كما تريد.
كنا نشاهد في بعض الأفلام الأجنبية، صراعات بين مجموعات إرهابية وأخرى تهتم بأمور العامة تستخدم فيها بيانات الأفراد داخل القصة في الوصول إليهم أو ملاحقتهم أو تتبع أماكنهم إلى آخره كنا ننظر بعين المتفرج العابرة التي لم تصدق أبداً أن يأتي يوم ويكون كل فرد منا يحمل رقماً أو بياناً يستخدم من قبل بعض الروبوتات أو الأجهزة التي ترتبط فيما بينها من أجل تحقيق هدف ما ربحي أو تسويقي أو أهداف أخرى تستخدم ما يسمى « بالذكاء الاصطناعي» تتبادل من خلاله كل ما يخص حياتنا اليومية لاستخدامه عند الحاجة.
يتساءل البعض ما هو الذكاء الاصطناعي؟ متى ظهر وماهي فكرته وكيف انتشر وماهي مخاطره وماهي حسناته؟... في البداية ظهر الذكاء الاصطناعي في سنوات الخمسينيات، واستُخدم هذا المصطلح للمرة الأولى خلال مؤتمر جامعة «دارتمورث» بشأن الذكاء الاصطناعي في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ومنذ ذلك الحين، تتوالى الأبحاث والابتكارات التي تعدت 1.6 مليون بحث يتعلق بالذكاء الاصطناعي وأودعوا طلبات براءات لحوالي 340.000 ابتكار يتعلق بالذكاء الاصطناعي، و يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي:-
إلى الأنظمة أو الأجهزة التي تحاكي الذكاء البشري لأداء المهام والتي يمكنها أن تحسن من نفسها استنادًا إلى المعلومات التي تجمعها.
ومن هنا يكون للذكاء الاصطناعي وجهان أحدهما خادم للبشر والآخر مدمر ومقتحم لحياتهم. نتعرف أولاً على أهم مميزات الذكاء الاصطناعي والتي تتمثل في:
- القدرة على التفكير والإدراك.
- القدرة على التعلم والفهم من التجارب والخبرات السابقة.
- القدرة على استخدام الخبرات القديمة وتوظيفها في مواقف جديدة.
- القدرة على استخدام التجربة والخطأ لاستكشاف الأمور المختلف عليها.
- القدرة على الاستجابة السريعة للمواقف والظروف الجديدة.
- القدرة على التعامل مع الحالات الصعبة والمعقدة.
- القدرة على التطور والإبداع وفهم الأمور المرئية وإدراكها.
- القدرة على تقديم المعلومة لإسناد القرارات الإدارية.
كذلك:
- السرعة في إنجاز المهام.
- تقليل نسب الأخطاء التي تحدث من الاستخدام البشري.
- كذلك سهولة التحليل المنطقي للبيانات.
ومن ثم الإنجاز السريع في التعاملات وتسهيل الحسم في اتخاذ القرارات كما سبق.
أما إذا تحدثنا عن عيوب استخدام الذكاء الاصطناعي فهي باختصار كالتالي:-
- التكاسل الذي سينتج من استخدام البشر لأجهزة تقوم بمعظم العمليات العقلية والتعامل مع الجماهير في أي مصلحة حكومية ومن ثم ستزداد نسب البطالة.
- كذلك ستقل وبنسب كبيرة فرص إيجاد المبدعين والباحثين الجادين في أي مجال المعلومات متاحة والأجهزة ترتب وتربط بين العديد والعديد من المعلومات وبالتالي عنصر بذل الجهد في الحصول على المعلومة عبر القراءة والبحث العلمي ستقل إن لم تكن قلّت بالفعل.
** فقد الروابط الإنسانية
أنت في عملك عندما يأتي إليك مواطن بسيط لديه ظروف خاصة تراعيها أنت وتقوم بمساعدته وحل مشكلته
أما إذا استبدلت بشاشة أو روبوت محمل بالمعلومات الصارمة الجافة التي لا تعرف عاطفة أو سلوكاً إنسانياً
فسينتج عن ذلك خلل في التعاملات البشرية وتفاقم العديد من المشكلات الاجتماعية وصعوبةالتعامل بين أفراد المجتمع.
مما لاشك فيه أن الذكاء الاصطناعي مطلوب وجوده في العديد من المجالات التي لا تقبل الخطأ في المعلومات التي تستخدمها كصناعة السيارات، صناعة الروبوتات، الأبحاث العلمية والمسوح الجيولوجية، العمليات الجراحية الدقيقة.
ولكن من وجهة نظري لا يصح استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات التي لابد أن يتعامل فيها البشر وجهاً لوجه كمجال التعليم مثلاً, والعلاجات النفسية, ,القطاعات الخدمية.
الاهتمام بالتواصل بين البشر لابد أن يكون دائماً هو الهدف الأسمى حتى وإن كنا قد بدأنا بالفعل في استخدام الذكاء الاصطناعي في كل تفصيلة من تفاصيل حياتنا اليومية إلا أننا لابد وأن نبقي على علاقاتنا الاجتماعية متواجدة بقدر المستطاع وأن تخضع كل الشركات والمصالح الحكومية والتطبيقات الإلكترونية لميثاق شرف يحترم خصوصية البشر وحقهم في التحرك بحرية دون رقابة طالما أنهم لا يجرمون أو يسلكون سلوكاً مشيناً أو غير معتدل في مجتمعاتهم وأن يترك تتبعهم للسلطات الحكومية التي تختص بمعاقبتهم، أما استخدام الشركات التجارية أو المؤسسات المالية التي تستخدم المعلومات الخاصة بالمتعاملين معها وتبادلها مع أصحاب التطبيقات التي يستخدمها العامة من الناس في مساعدتهم على تخطي أعباء حياتهم اليومية عن طريق المعلومات المدخلة لأجهزة الذكاء الاصطناعي من أجل تحقيق أرباح كبيرة. فأنا أظن أنه عمل غير أخلاقي.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن استخدام الذكاء الاصطناعي في ترتيب المعلومات وتداولها بشكل محترف أصبح لا غنى عنه.
لا أحد ينكر أننا نريد حياة تتسم بجودة عالية فالأخطاء القاتلة والمحسوبية والرشوة سئم منها الكثير. المغالاة في الوقت المستغرق لتحقيق جودة ما سواء في الصناعة أو إنجاز المعاملات المختلفة أصبحت نسبتها قليلة إلى حدٍّ ما ولكن تظل الحياة الشخصية وقيمة البشر لدى مجتمعاتهم في المقام الأول والحفاظ على حريتهم الشخصية أولوية قصوى خصوصاً لدى البلدان التي يكون الفرد فيها هو الأغلى والأعلى قيمة.