العقيد م. محمد بن فراج الشهري
المخدرات أشد فتكاً من أي طاعون بل هي الطاعون الأكبر... نعم هي داء وطاعون هذا العصر الذي ابتليت به كل دول العالم، إذ إن تعاطي المخدرات لم يعد مشكلة محلية تعاني منها بعض الدول الكبرى، أو الصغرى، أو بلدان محلية، أو إقليمية، بل إن داء المخدرات وسمومها أصبحت مشكلة دولية تتكاتف الهيئات الدولية، والإقليمية لإيجاد الحلول الجذرية لاستئصالها، وترصد لذلك الأموال الطائلة للتضييق والحد من تفشيها وانتشارها... وقد تفاقمت مشكلة المخدرات في السنوات الأخيرة بحيث أصبحت مشكلة عالمية تقض مضاجع المسئولين، وأجهزة الدول، وأصبح المدمن عدواً لنفسه وبلده ومجتمعه، والإدمان شرّ مستطير يدفع صاحبه لارتكاب أبشع الجرائم ضد نفسه، وأسرته، ومجتمعه، مع صعوبة أو استحالة الإقلاع مع زيادة الجرعة من آن لآخر وعادة ما يعاني المدمن من قوة دافعة قهرية داخلة للتعاطي تقع غالباً هذه الحالات في سن المراهقة (خاصة المبكرة)، وهي الفترة التي يقضيها الشباب في المدارس، والجامعات، وتمتد عبر المراحل العمرية المتعددة، ولكن تبدو أكثر خطورة وشيوعاً لدى قطاعات الشباب والمراهقين، وتساعده بشكل أو بآخر على الهروب من الواقع شعورياً ولا شعورياً، ومن ثم الاتجاه نحو الانحراف بأشكاله المتنوعة، كما تشيع هذه المشكلة في مختلف الطبقات، والفئات الاجتماعية، والأسر ذات المستويات الاقتصادية، والاجتماعية المختلفة حيث أشارت تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن التخدير حالة نفسية، وفي بعض الأحيان جسمية تنتج عن التفاعل بين الكائن الحي، وبين المخدر، وتقترن باستجابات سلوكية تدل على أن المتعاطي يُدفع إلى تناول العقاقير بصفة مستمرة، أو فترات متقطعة بغية الوصول إلى تلك المتعة الزائفة التي يسببها التعاطي، وقد يأتي الإقبال على التعاطي بقصد تجنب الشعور بعدم الارتياح من شيء ما، أو محاولة الهروب من أمر يشتت تفكيره... والمخدرات دون أدنى شك هي خطر داهم قادم لتدمير كل العالم وكل الدول غنيها وفقيرها، ومن يسافر للدول الكبرى ينظر الأبواب الخلفية، وما ورائها من مصاريع المخدرات الذين لا مكان لهم غير الانبطاح في الشوارع في منظر تقشعر له الأبدان، وحسب الإحصاءات العالمية، ومنظمة الصحة العالمية فإن نسبة مدمني المخدرات في العالم أكثر من سبعين مليون شخص... وهذه النسبة آخذة في التزايد أكثر من ذلك بكثير إذا لم تواجه الدول تفشي هذا الوباء بقوة وحزم وتحد من انتشاره لأن المكلة اليوم ليست في وجود المخدرات بل في انتشارها السريع، واقتناع بعض الشباب، والمراهقين باستخدامها، ولقد تفاقمت مشكلة المخدرات في السنوات الأخيرة، وأصبحت مشكلة عالمية تشغل المسئولين، والأجهزة المعنية محلياً ودولياً، ولا تزال مشكلة هذا الطاعون مشكلة تثير القلق وتخيّم على الأفق العالمي، فوفقاً لتقرير المخدرات العالمي لعام 2017م يعاني أكثر من 30 مليون نسمة من اضطرابات ناجمة عن التعاطي، وتتسم أسواق المخدرات في كثير من الأحيان بدوامة التهميش، مما يجعل تعاطيهم واندماجهم من الناحية الاجتماعية أمراً صعباً للغاية، وتواصل الأمم المتحدة تقديم الدعم للعمل بسياسات في مجال مكافحة المخدرات تقوم على حقوق الإنسان، لبناء القدرات في مجالات الصحة العامة، والعدالة الجنائية، وإدارة السجون، والمجتمع المدني دعماً لزيادة إمكانية حصول متعاطي المخدرات، والمساجين على الخدمات بما فيها الخدمات المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية، وفي مجال أنشطة التنمية البديلة الهادفة إلى الاستعاضة عن محاصيل المخدرات بغيرها، تقدم الأمم المتحدة الدعم إلى المجتمعات الريفية بتوفير فرص مشروعة لإدرار الدخل تركز على المحاصيل المدرَّة للريع النقدي، والمتميزة باستدامة أسواقها، كل ذلك من أجل الوصول إلى بدائل آمنة أقل ضرراً من محاصيل المخدرات التي أنهكت العالم وعبثت بالاقتصاد العالمي، مع وجود مشاكل اجتماعية كبرى لا حصر لها، وقد أتاحت ثورة الاتصالات بالأجهزة المتنقلة فرصاً أخرى للمتاجرين بالمخدرات، فلم يعودوا بحاجة إلى الاتصال الشخصي بالزباين، وبدلاً من ذلك يمكن إجراء كل ما يريدون بواسطة إرسال رسائل عبر شبكات مشفّرة، كما تتيح الشبكات الخفيّة للمتعاطين شراء المخدرات بعملة مشفرة مثل (البيتكوين) حيث تسُلم بطرق خفية إلى غير ذلك من الطرق التي جلبتها لنا السوشل ميديا، وساعدت بذلك في تفاقم هذه الظاهرة الخطيرة... وفي الختام أجد نفسي مبتهجاً ومسروراً لما تقوم به المملكة العربية السعودية ممثلة في أجهزة المكافحة من جهد عظيم للغاية في التصدي لهذه الآفة وروادها، وقد رأينا وسمعنا وشاهدنا الكميات المهيلة من أصناف، وأنواع المخدرات التي كانت تستهدف أبناء وشباب وشابات هذا البلد والتي تم القبض عليها وعلى مروجيها وهي إحصائيات مهولة، اعتقد أن المملكة كان لها السبق في الحد من انتشار هذا الطاعون، ووقفت بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المتاجرة بهذا اداء، ونحن بدورنا نقدم الشكر لأجهزة المكافحة ورجالها الأشاوس في مملكتنا الحبيبة، فقد قدموا أرواحهم فداء للوطن، وشبابه، ووقفوا بحزم للحد من هذا الداء الخبيث ومتاجريه ومروجيه، ويجب على كل مواطن غيور على بلده وأهله وأبنائه أن يكون عوناً وسنداً لرجال المكافحة، ويساهم في التبليغ عن من يشك في أمره فهذا اقل ما يجب أن نقوم به لمساعدة الأجهزة المختصة للحد من خطورة وانتشار هذا الطاعون الذي يفتك بالمجتمعات، ويحولها إلى مجتمعات مريضة مهزوزة، ويهدم الاقتصاد ويهدد الحياة الاجتماعية وكل كائن حي..