محمد بن عيسى الكنعان
تأكيدنا المستمر أن المملكة العربية السعودية هي قلب العالم الإسلامي، ومركز القرار العربي، والعمق الإستراتيجي للخليج، وقائدة المنطقة بتأثيرها الدولي ومكانتها العالمية، هذا التأكيد ليس استعلاءً على أحد، أو مبالغة لواقع معين، أو إدعاءً لشيء غير موجود أو غير صحيح، إنما هو حقيقة ناصعة الدلالة، وواضحة المعالم كوضوح الشمس في رابعة النهار! حقيقة تشهد بها الأحداث الإقليمية، وتُعبّر عنها المواقف الدولية، حقيقة تنطق بها وسائل الإعلام المنصفة وحتى المعادية، ولا أصدق على ذلك مما يجري في المشهد السوداني، الذي عكس للعالم أجمع، من تكون السعودية؟ على مستويات التأثير والثقة والمسؤولية! فعندما وقع النزاع المسلح بين الجيش السوداني (البرهان)، وقوات الدعم السريع (حميدتي) صدرت توجيهات قيادتنا الرشيدة بإجلاء المواطنين السعوديين ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، واهتمام ومتابعة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - يحفظهما الله - فكان عملًا إنسانيًا عظيمًا، وموقفًا مشرفًا قامت به المملكة ممثلةً بالقوات البحرية الملكية السعودية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ما يبرهن على أن المملكة تملك قوة التأثير الدولي، والثقة العالية، وروح المسؤولية العالمية، التي تتجاوز حسابات السياسة، وحالات العداء أو الخصومات بين الدول، فمعيار قيمة الإنسان عند السعودية هو حياته وبلوغ مأمنه، بغض النظر عن دينه، أو جنسه، أو هويته، أو صفته. هذا الرقي في التعامل، والسرعة في النجدة، والسمو في الخدمات المقدمة لرعايا الدول الأخرى كان حديث العالم أجمع، العالم الذي راح يتابع - تارةً بذهول وتارةً أخرى بإكبار - الجهود السعودية النبيلة المتواصلة لإجلاء رعايا أكثر من خمسين دولة تختلف قاريًا وتتباين مكانة.
لقد أثبتت الأحداث الملتهبة أن الدول الكبرى الحقيقية، والمؤثرة عالميًا هي التي تتعلق بها آمال الشعوب في الأزمات، وتتطلع الدول إلى نجدتها في النزاعات، لهذا توجهت حكومات خليجية، وعربية، وغربية، وإسلامية، وإفريقية، وآسيوية إلى طلب العون والنجدة من المملكة ثقةً بحكمة قيادتها، وقدرات أبنائها، وإمكاناتها المادية؛ فكانت المملكة الملاذ الآمن، والملجأ بعد الله لخروج رعايا تلك الدول آمنين من السودان. المملكة التي لم تُقايض من كان يُعاديها، ولم تُزايد في إنسانيتها، ولم تُساوم في خدماتها لمن ترك إعلامه ينبح ضدها، ولم تُحاسب من حاربها بالأمس واليوم يطلب نجدتها! بل رأت في الجميع دون استثناء حالة إنسانية واحدة تستحق الحياة الكريمة والنجدة السريعة. هكذا هي المملكة، هكذا هم الكبار، أفعالهم كبار ومواقفهم عظام، يملكون قوة التأثير بما يجعل أفعالهم على خير وإلى خير، ويتعاملون بروح المسؤولية، فالمملكة دولة كبيرة ومسؤولة بالمنطقة وعلى هذا الأساس تتعامل، لهذا كانت ثقة الشعوب فيها عالية ولم تخذلهم.
من هنا؛ يحق لي ولكل سعودي أن يفخر ببلده المملكة العربية السعودية، ويعتز بقيادته الرشيدة، وحكومته على هذا العمل الكبير الذي قامت به وما زالت، بل نقلت لنا وسائل الإعلام العربية والإقليمية والعالمية مشاعر رعايا تلك الدول، وهم يثمنون العمل السعودي بقصص مختلفة، ويعبرون عن تقديرهم المخلوط بالدموع والدعاء لجهود المملكة المبذولة، وخدماتها المقدمة لهم حتى وصلوا إلى بر الأمان على أرضها الطاهرة، ومن ثم ارتحلوا آمنين إلى بلدانهم، بل إن كثيرا منهم ينتمون لدول يقال لها دول عظمى استنجدت بالمملكة لإجلاء رعاياها العالقين في أتون النزاع السوداني. دام عزك يا وطني، وحفظ الله لنا قيادتنا الرشيدة.