مها محمد الشريف
في حال التسليم بالأمر، فإن السودان دخل في هذه الدوامة منذ زمن بعيد وكان نتاجها حرب أهلية تتجدد اليوم بشكل كثيف من الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع على وقع إطلاق نار مستمر فشلت ثلاث هدن متتالية في وقفه، يبدو أنه، فُقد الترابط في جميع الظروف، وانقسمت البلاد بين الطرفين بسبب أشياء تشكل قسماً من الماضي لا الحاضر، البرهان يريد سلطة جديدة بعيدة عن تأثير البشير والإخوان، وحميدتي يريد سلطة تعيد المنظومة السابقة بقيادة جديدة، فعاد الصخب لتأكيد نفسه بمزيد من المشاحنات والمشاجرات والخلافات بين السياسيين فكل ما يحدث اليوم تبعات لحكم البشير وما ورثه للبلاد من البؤس والفقر والانقسام.
شكل التوغل الغربي في المنطقة دون شك عاملاً قوياً في التغيير المتعدد الأبعاد، وكيف من خلاله تغيرت دفة الحياة نحو حرب طاحنة، واندلاع القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أو ما عُرف بـ»حرب الجنرالين»، التي اندلعت في منتصف أبريل، وذلك عكس خطاباً تحريضياً على الفتنة، وقتالاً واسع النطاق بين قوات الجيش السوداني بقيادة رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو «حميدتي»، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها بالعاصمة الخرطوم.
بدأت الصراعات واسعة النطاق، والتكهن بما قد يحدث يتطلب تركيزاً حازماً على التفاصيل الأساسية، فالبيئة المادية المحيطة بعناية السودان انتقلت إلى بيئة أخرى وقد تحتاج وقتاً طويلاً لتعود، مع وجود مخاوف من اتساع رقعة الحرب وامتدادها لدول مجاورة، فقد أصبحت تمويلات التنمية محل تهديد، لاسيما في دول القارة السمراء المشتركة في الحدود مع السودان، التي تربطها مع سبع دول، جميعها تواجه تحديات أمنية متشابكة الخطوط مع الحياة السياسية في الخرطوم، فلو اهتز بلد كبير أو صغير هنا أو هناك، فإن الأرض من حولها ستتضرر من مجاعات وحروب أهلية وكوارث بيئية، فعلى أصحاب القرار التفكير الإستراتيجي لتحديد اتجاهاتهم لكل متغيرات محتملة.
لا شك أن وجود الناس في مكان تسوده الضوضاء يعتبر تحدياً مزعجاً لا يتناسب مع عقولهم، وينذر بحرب طاحنة وتعقيد يجب أن نطرق بابه ليتم التعبير عنه بلغة مفهومة لا يشق على البشر سبر أغوارها، وكذلك حول ما يجري في إقليم دارفور غربي السودان، لم تكد دولة جنوب السودان تعلن عن قيامها حتى شهدت اندلاع حرب أهلية واسعة النطاق يخشى البعض من تكرارها الآن، فالنجاة من هذه الحرب هي ثمرة يجب قطفها لحياة أقل خطراً.
في الجانب الآخر من الصورة، هناك تعقيدات عدة تلعب دورها في التشويش على الحقائق، تتصرف بشكل عشوائي حتى في الحالات الأكثر أهمية للأبعاد الخارجية، على مستوى الموقع الجيوسياسي للسودان، فهي الدولة التي تربط بين إقليمين إفريقيين شرق وغرب السودان وعدم قدرتها على السيطرة على كامل ترابها الوطني.
ليس في ذلك أي جديد، فالمحصلة كالتالي: السياسيون غير جاهزين ووجود التنظيمات المتطرفة الممارسة في أغلبها للأنشطة الإرهابية، والجهات التي تقف وراء كل حركة مسلحة أو مجموعة إرهابية، واستخدام الإيديولوجية لتفكيك الدولة الوطنية من مخلفات فرق تسد، ما الذي يمكن أن تفعله هذه الدولة للتخلص من هذا الكابوس؟ وفيها من يدعم الأنشطة الإجرامية، خصوصاً التهريب عبر حدود شبه مفتوحة، وغير مؤمنة من جانب عديد من الدول الإفريقية.
في ساحة الحرب المستعرة تخسر كل الأطراف، خسائر في الأرواح والممتلكات، وفي كل الأحوال لا يزال الماضي يستشرف المآل وتعاد صياغته انطلاقاً من وعي الأحداث الراهنة، فعلى الطرفين المتحاربين أن يقدما حلولاً جديدة تبعاً لوجهة نظر الحاضر واحتياجاته وتسريع العودة إلى السلم والاستقرار.