صبحي شبانة
أيام قليلة تفصلنا عن الموعد المقرر لانعقاد القمة العربية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية في دورتها الثانية والثلاثين، ولا يزال الفرقاء السودانيون يتناحرون، ولا تزال أصوات الرصاص والمدفعية تدوي في كل مكان رغم الجهود الدبلوماسية العربية والدولية والأممية التي فرضت أكثر من هدنة، بلغ عددها خمسا في أقل من أسبوعين، التي ما إن تبدأ الهدنة حتى تندلع المعارك مجدداً لتراكم الخراب والدمار، وتضاعف من جثث الأبرياء التي اكتظت بهم الشوارع والمقابر في حرب عبثية يئن من هولها الشعب السوداني الشقيق التي أنهكته الصراعات حول السلطة، والتي حولت بلداً زاخراً بالخيرات والثروات، إلى شعب يتضور جوعاً، ويقتات وعوداً خادعة، وشعارات براقة، ويرزح تحت وطأة الفقر والنهب والنعرات الايديلوجية والعرقية الفارغة التي تتخفى تحت بزتها وعمامتها كل الشرور والأكاذيب والحيل الماكرة، تلك الأيديولوجيات التي أسقطت دولاً، وشتتت شعوباً، وفرقت أمماً كانت آمنة مطمئنة.
عجيب أمر هذا الشعب الطيب النبيل الذي تعرضت دولته إلى 17 انقلاب خلال نصف قرن، بمعدل انقلاب كل ثلاث سنوات، وهو معدل قياسي ونادر يستحق أن يسجل في موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فلم نعلم أن بلدا في العالم مر بهذه المتوالية من الانقلابات العسكرية غير السودان، وهذا هو ما يفسر حالة الفقر المدقع (تشير تقارير الأمم المتحدة أن نسبة الفقر في السودان بلغت 46.5 %)، وعدم الاستقرار والفوضى الجيوسياسية التي تضرب الحياة العامة بالشلل في البلد العربي الشقيق الذي يمثل عمقا استراتيجيا في غاية الأهمية للأمن الغذائي والقومي العربي.
تكمن معضلة السودان أن الحرب الدائرة الآن هي خلاف على الزعامة، والانفراد بالسلطة، والاستئثار بالحكم رغم تمسح كليهما بدعاوى اللجوء إلى العودة للحكم المدني (دعوة حق يراد بها باطل) بين شخصين هما: الفريق عبدالفتاح البرهان قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة في السودان، ونائبه الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد ميليشيا الدعم السريع اللذين جرا السودان إلى حرب عبثية أسفرت عن قتل المئات وشردت الآلاف ولا زال النزيف مستمراً، والعالم يترقب وينتظر تحت غطاء بعض التدخلات الخجولة التي بعضها تطالب بوقف الحرب علنا وهي تنتوي إشعالها سراً، فلن ينقذ السودان إلا أهله قبل أن يتفتت وينقسم إلى دولتين واحدة عاصمتها الخرطوم والأخرى في أم درمان، وسلخ جنوب السودان عن شماله ليس ببعيد، ومحاولات انفصال دارفور لا تزال مستمرة.
بيد أن مخاوف حقيقية من أن يتحول الصراع الدائر في السودان إلى حرب إقليمية، خصوصاً أن السودان تحيط بها ثماني دول إقليمية بعضها هش، وأخرى مثل جيبوتي التي بها مقرات لقواعد عسكرية لقوى دولية وإقليمية تتربص بعضها ببعض، أو تتحفز للهيمنة على البحر الأحمر، ومضيق باب المندب ومن ثم على الملاحة الدولية، وهذا يفرض على العالم التدخل بالوساطات لوقف هذا الصراع الدموي فوراً قبل أن تتحول السودان إلى ساحة ومرتع للجماعات التكفيرية والإرهابية وهي مؤهلة بنيوياً لذلك بحكم ديمغرافيتها الواسعة، وحدودها المفتوحة، وبيئتها الحاضنة والتي سبق لها أن أوت تيارات وقيادات إرهابية مثل زعيمي تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وأيمن الظواهري وغيرهما الكثير والكثير، وقبل أن يتمدد الصراع إقليميا وتتناثر شظاياه لتحرق كل المنطقة، وليست الدول المجاورة ببعيدة.
لا يجب أن نسمح بأن يتحول السودان الشقيق إلى نموذج ليبيا، أو سوريا، أو اليمن، أو العراق ثم ننتظر لسنوات، وربما لعقود حتى تضع الحرب أوزارها أو أن يقضي طرف على الآخر، كما ينبغي على السودانيين أن يستوعبوا دروساً لا تزال ماثلة أمامهم لدول دمرها الصراع على السلطة، وتحول أهلها الآمنون إلى لاجئين هرباً من قتال دام وحرب ضروس بين من يرفعون السلاح والبندقية في وجه مكونات الشعب السوداني من النساء والأطفال والشيوخ والعجزة.
السؤال الذي يفرض نفسه هل سينتهي الصراع العبثي في السودان قبل القمة العربية المقرر انعقادها في الرياض يوم 19 من شهر مايو الجاري حتى يتفرغ القادة لبحث ملفات القضايا العربية المجدولة سلفا؟، أم ستفرض الحرب في السودان نفسها على طاولة القمة، وتعمق من الخلافات العربية التي بذلت المملكة العربية السعودية طيلة الفترة الماضية جهوداً دبلوماسية مضنية لتقريب وجهات النظر بين العرب، وحرصت على تصفير المشاكل، وعودة الوئام العربي، أتمنى مخلصاً أن يعود الفرقاء في السودان إلى رشدهم حقنا لدماء الأبرياء، وحفظا لمقدرات الشعب وثرواته.