د.الجوهرة بنت بخيت آل جهجاه
الحمد لله الذي وهبنا القائد الشاب الهُمام الأمين المكين؛ صاحب السمو الملكي وليّ العهد/ الأمير محمدًا بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود -حفظه الله وأيّده- يستقرئ الحوادث والمعطيات بدقة وشفافية، ويَحوطنا في هذه البلاد الفتيّة -بإذن الله- بالصون والثقة به.
رحمةٌ من رحمات الله هذه الحرب على المخدرات بهذه الحملة التي تقصم كلّ الأطراف التي تشترك في تصنيع هذا الوباء الفتّاك المهين، وترويجه، وتيسير الوقوع فيه، والتستّر عليه، والتبرير له بأعذار تُحوّل خوارم الدين والمروءة إلى حرية شخصية!
انطلقت هذه الحملة المباركة بمفاهيم قانونية واضحة، تصنّف المخدرات من ضمن أعلى المخاطر الأمنية، والمخدرات -بما أنّها قُوبِلت بحملة (الحرب على المخدرات)- فهي حربٌ على الدين، والوطن، والإنسان! لذا تُبقي هذه الحملة باب التوبة مفتوحًا -وتحت الرقابة في الوقت نفسه- لمن يَصدق في المبادرة إلى الإقلاع، والتشافي بالطريقة الرسمية الصحيحة.
يهمني -هنا- إبراز جانبٍ من جوانب التفريج عن النساء في هذه الكُربة، باعتبارهنّ -من وجهة نظري- مُديرات البيوت الأكثر مسؤولية، وأكثر مَن يدفع الثمن في جرائم المخدّرات: تعاطيًا، وترويجًا، وتبريرًا؛ لأنّهن الأُمّهات، والزوجات، والأخوات، والبنات؛ المغلوبات على شجاعتهنّ في قول الحقّ هنا، وفي اتّخاذ القرار الصحيح، والمضيّ في تنفيذه دون توتر في القِيَم، أو إحساس بالذنب!
البيوت التي تنهشها المخدّرات -بوجود المتعاطي، أو المروِّج، أو المُبرِّر- لا تَسلم من أذى العاطلين عن العمل، الذين يبتزّون موارد الأُسرة -مهما كانت شحيحة- لتحصيل المخدرات، ولا تَسلم من أذى بَذخ المروِّجين -ومنهم المتعاطي، ومنهم غير المتعاطي- الذين يَستبيحون حرمةَ بيوتهم مثل المتعاطين؛ فلا أمن على النفس، ولا أمن على العِرض، ولا أمن على العقل من التشوش والتناقض، ولا أمن على الممتلكات، ولا على الموارد المالية البسيطة والمؤقتة، ولا المتوسطة والدائمة!
المُبرِّر لتعاطي المخدرات، فردٌ آخر من سلسلة المجرمين المتعمِّدين أو غير المتعمِّدين؛ لأنّه يُحقق منافع من ذلك بأيّ طريقةٍ كانت؛ فالمجتمع يتحسّس من التّعيير بوجود متعاطٍ أو مروِّجٍ في بيتٍ من البيوت!
قد يكون التبرير مِن قِبَل النساء أمرًا آخر؛ إذ تُصبح الكُنى والألقاب: أمّ المدمن، زوجة المُروّج، أخت المخدّراتيّ، بنت الهَامِل ... إلخ من التلفّظات التي تستفزّ لدى المَغلوبات على أمرهنّ، الخائفات من عواقب أسوأ مما يُعانينه في صمتهنّ -تستفزّ لديهنّ حَمِيّةَ الدفاع عن النفس ضدّ الإهانة والإيذاء باعتبار الواحدة منهنّ ضحيةً غير مَحميَّة، وغير قادرة على إيقاف الأذى؛ لأنّ هذا المدمن أو المروّج قد يخرج بكفالة في وقت قريب -كما كانت بعض الأمور قبل الحملة الحالية- أو يُنهي محكوميّتَه، ويَعودُ مُنتَقِمًا شرّ انتقام!
من هنا نشأ التّبرير، والدّفاع، والتفسير الذي ظاهره إباحة التعاطي والترويج؛ باعتباره حرية شخصية، ومَن يقبل المشاركة فيه فهو مسؤول عن نفسه؛ فعَل ذلك باختياره، ولم يُجبره أحد! غيرَ أنّ الباطن صرخة ألم واستنجاد من فاقدةٍ للحيلة؛ وقعتْ في ابتلاءٍ لا مناص لها منه في حدود إمكاناتها المعرفية البسيطة: نفسيًّا، واجتماعيًّا، ونظاميًّا، وأمنيًّا؛ ومن أمثلة ذلك:
* أمّ أرملة أو مطلّقة، فقدتْ صدقات الناس عليها؛ بسبب أبنائها العاطلين الذين سرى فيهم تعاطي المخدرات بالتتابع، ولا تملك إلا الاستمرار في كسب عيشها بما تصنعه يداها، وتُمضي ساعات طويلة خارج البيت لبيعه، وتُضطر -أحيانًا- لاصطحاب صغارها معها مما يضيّع عليهم فُرص التعليم الجيد، أو تُضطر لإخفائهم في المنزل في أماكن يصعب وُصول إخوتهم إليهم وهم في حالة النشوة القصوى مع أصحاب السوء، ولربما أجبروها على أن تكون الوسيط الذي يستلم المخدرات؛ لبُعدها عن الريبة! وقد تضحّي بنفسها إنْ كانوا لا بدّ فاعلين!
* زوجة حديثة الزواج في أوج حياتها المتميزة، تُصدم بأنّ زوجها الذي أغدق عليها ما يُسعدها وتفتخر به أمام أقاربها وصديقاتها... يتعاطى فنونًا من المخدرات الطبيعية، ولا يتوانى عن تخليط ما يقوم مقامها من الأدوية الخاضعة للتداول الطبي! تدخل في دوّامة اتخاذ القرار: كيف ستُثبت ذلك دون تعريض نفسها للخطر، أو لمخالفة نظام مكافحة جرائم المعلوماتية؟ كيف ستفارقه وفي أحشائها جنينه؟ كيف ستستطيع إعادة هذه النقود والذهب والهدايا؟ ماذا ستقول لمجتمعها الذي لن يرحمها أو يتعاطف معها ومع أُسرتها التي خُدِعت؟ وقد تضحّي بنفسها إنْ كانوا لا بدّ فاعلين!
* أخت أو بنت ذهب عمرها في الكدّ والكدح، وتُبتلى بإخوة -أو لربما أب- من المتعاطين، وبمجرد فتحها النقاش حول عدم سلامة الوضع، وأنّ حياتهم تستحق ما هو أكرم من هذا، وأنّ وسائل التشافي متاحة مجاناً وبسرية ... تبدأ في تلقّي اللوم والتهديد والضرب والخنق والتحرّش بها، والتشكيك في براءة عِرضها!
وفوق هذا تتلقّى تشويش ذهنها بأنّ الأمور ميسّرة أصلاً، مما يعني أنّ التعاطي والترويج ليس إشكالاً ولا عيبًا! ويبدأ أحدهم في إثبات التحدي بكشف الكميات التي بحوزته! ويكشف كذلك أنّ بعض الأدوية الخاضعة للتداول الطبي يَسهل شراؤها إلكترونيًّا، وتغليفها بطريقة تحميها من الكشف في الجمارك، وكذلك يُتيح موقع الشحن للعميل أن يُحرّر قائمة المحتويات بالصيغة التي يريدها أن تدخل بلده بها!
يُربكها -كذلك- بأنْ يُريها كميات كبيرة لديه عليها طبعة الوصفة من المستشفى باسم الطبيب، وتاريخ الصرف، وطريقة الاستعمال! ولم يحتج إلاّ قليلاً من حفظ بعض الأعراض من الشبكة العنكبوتية، وتمثيلها على الطبيب مع بعض التلاعب بمؤشرات الجسم قبل الفحوصات، وتمضي الخدعة على الطبيب، وعلى أكثر من طبيب، مع تواطؤ الصيدلي وقت الصّرف وتعاميه!
هذا التكثيف المرعب وما معه من أكاذيب ومغالطات، يُصيب أيّ امرأة بالذعر؛ لأنها وسط دائرة ممتدّة من المتواطئين بوعي أو دون وعي! هذا إنْ لم تكن عُرضةً لإجبارها على تجريب التعاطي؛ لتقتنع أنها مواد عادية، مؤقتة المفعول، تجلب الراحة؛ لا أكثر!
هذا النوع من الأشخاص -بما يستلزمه وضعه من حذر وشكّ- لا يخلو -إن كان مُقتدرًا ماديًّا- من وضع الكاميرات الصغيرة والصغيرة جدًّا في أماكن حساسة في المنزل وفي العمل، أو حتى في ملابسه أو أجهزته الصغيرة التي لا يشكّ فيها أحد؛ لكي يسجّل على أهله أو زملائه وهم في شؤونهم الخاصة، أو في جلسات حوار يدفعهم إليها بطريقةٍ ما، ويُديرها بطريقةٍ ما؛ ليُبقي لديه ما يُهدّدهم به وقت الإحساس بخطرهم عليه، أو وقت الرغبة في ابتزازهم! وقد تضحّي المرأة بنفسها إنْ كانوا لا بدّ فاعلين!
في هذه الأيام، بالتأكيد هناك كثيرات يرغبن في التخلّص من خبث المخدرات في بيوتهنّ وفي حياتهنّ؛ إنقاذًا لأسرة، أو لزوجٍ، أو ابنٍ، أو أخٍ، أو لربما أبٍ، ولكن المخاوف تُقعِدهنّ عن التبليغ؛ لأنّ الأسئلة كثيرة: هل سيعرف أنّني مَن بلّغ عنه؟ هل سيُطرد من العمل، ويخنقني باستنزافي وابتزازي؟ هل سيُسجَن فترة، ثم يعود مُنتقِمًا؟ هل سأجد مَن يعاضدني في حاجتي إلى الإرشاد الاجتماعي والنفسي؟ هل سأجد مَن يُعاضدني بلزوم الصمت عن المجتمع مِن حولي، والتغافل عن هجومه عليّ؛ لأنني أبلغتُ عن مدمنٍ أو مروِّجٍ للمخدرات في بيتي، ولم أستُره؟ هل سأجد مَن يكفل لي الحماية من عودته إلى بيتي وحياتي، وإلزامي به بحكم صلة القرابة؟ كيف أقوم بالتبليغ؟ وما صيغة التبليغ؟ وما صيغة مطالبي لكفالة الأمن والأمان لي في حياتي وبيتي من ذلك المدمن أو المروِّج إنْ عاد مُنتقِمًا أو مُستهلِكًا لمواردي وحياتي؟
أسئلة كثيرة، تحتاج من ذوي الاختصاص الأمني، والقانوني، والنفسي، والاجتماعي معاضدة النساء بتكثيف نشر الثقافة التفصيلية اللازمة في وسائل التواصل؛ لأنّ كثيرات تُنازعهنّ أنفسهنّ للتحرّر من هذا المُدمِّر، والإسهام بأمانة ووفاء في حماية الوطن وأهله، ولكن طريق الأمان يحتاج إلى مرشد خبير.