بدر بن عبدالمحسن المقحم
في يوم السبت الموافق 24-9-1444هـ الموافق 15-4-2023م تفاجأ الأشقاء السودانيون بتفجر الوضع في بلادهم على أثر الصدام المسلح بين قوات الجيش وقوة الدعم السريع اللتين اتحدتا من قبل في انقلاب ضد حكم عمر البشير عام 2019م، ودخلا بعد ذلك مع القوى المدنية السودانية في مفاوضات ولقاءات استمرت قرابة السنوات الأربع بهدف الانتقال إلى الحكم المدني في السودان، وقد أثمرت هذه الجهود في نهاية المطاف إلى التوصل لاتفاق إطاري نهائي مع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير في 12-5-2022م الذي لم يتم التوقيع عليه مما أدى لحدوث هذا الصدام والتصعيد العسكري الذي بدأ بصورة مكثفة في العاصمة السودانية وتحديداً في محيط القصر الرئاسي ومطار الخرطوم ثم امتد في الأيام اللاحقة لمدن وبلدات أخرى، فهذا الاختلاف على التوقيع لهذا الاتفاق الإطاري كان بمثابة الشرارة الأولى لذلك الصدام حيث نص الاتفاق على عدة نقاط من بينها خضوع القوات المسلحة السودانية لرئيس الدولة المدني خلال المرحلة الانتقالية، ويرأس رئيس الوزراء مجلس الأمن والدفاع، الذي تشارك فيه الهيئات المعنية، ولا تتولى وزارة الدفاع شخصية عسكرية، إضافة إلى أن هذا الاتفاق يمنع الجيش من ممارسة الأنشطة التجارية ويستثني فقط الأنشطة المتعلقة بالصناعات الدفاعية، في المقابل لا يتطرق الاتفاق إلى الإطار الزمني لدمج قوات الدعم السريع في الجيش.
وبعد وقوع هذا المأساة هبت كثير من الدول بالدعوات لتهدئة الموقف ووقف التصعيد العسكري والعودة للغة الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على كل الاعتبارات الأخرى وكان في طليعة من تقدم بمثل هذه المبادرات المملكة العربية السعودية التي لم تكتف بذلك، بل فتحت مجالها البحري والجوي لكل طالبي اللجوء من السودانيين ورعايا أكثر من 100 دولة شقيقة وصديقة واستقبالهم على أراضيها وتقديم كل أسباب الضيافة ووسائل الراحة لهم تمهيدا لعودتهم إلى بلدانهم.
وبالنظر إلى هذا الوضع المزرى الذي وصلت فيه الأوضاع في جمهورية السودان الشقيقة، فإن الآمال معلقة بالله ثم برجالات السودان العقلاء وبتكاتف جهود أشقائهم العرب والمسلمين للخروج من هذا الانغلاق السياسي وعدم الركون إلى صوت السلاح الذي لن يجني منه الشعب السوداني إلا الدمار والخراب وانهيار الدولة لا سيما أن ما حصل يفاقم أزمات السودان الداخلية الموجودة أصلا فيها وبالذات المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية، إن السودان بموقعها الإستراتيجي والجيوسياسي وبما تكتنزها أراضيها من خيرات مائية وزراعية ومعدنية وحيوانية كانت ولا زالت نقطة شذب للدول الكبرى ولجهات أخرى تسعى إلى تقويض أمن السودان ليمتد هذا الأثر إلى جيرانها وينعكس سلبا وبصورة مباشرة على الأمن القومي العربي وبكل صور التشتت والانقسام والنهب للثروات العربية وخدمة في نهاية المطاف لأجندات إقليمية ودولية، إن ما يدور في أرض السودان يشي بوجود أياد أجنبية وأطراف دولية تسعى إلى إذكاء هذا التصعيد العسكري لتحقيق أهدافها الخاصة دون النظر إلى مصالح السودان وشعبه، وعليه لابد لطرفي الصراع إعلاء مصلحة السودان قبل كل شيء والجلوس على طاولة المفاوضات للتفاهم على حل وطني ينتشل الواقع السوداني إلى واقع أفضل وبمشاركة كل القوى المدنية والفعاليات الحزبية والرموز الفكرية السودانية وبما يضمن الانتقال السلمي للسلطة ويسهم في التحول الديمقراطي الذي تنشده كل فئات الشعب السوداني ويوفر لهم سبل العيش الكريم ويضمن بناء بلادهم واستقرارها، إن أهمية السودان تكمن في كونها دولة إسلامية وعربية في آن واحد في القارة الإفريقية السمراء وامتلاكها لخصائص حيوية تتطاحن عليها الدول حاليا وقد تكون حروب المستقبل من أسبابها الرئيسية وهي وفرة المياه وخصوبة الأراضي الزراعية وهو ما تتمتع به السودان وتتميز بتلك المقومات المؤهلة لها بأن تصبح سلة الغذاء العربي بامتياز، لكن هذا يستوجب مسؤولية كبيرة على السودانيين أنفسهم أولا والنظام العربي ثانيا في المحافظة على هذه المكتسبات وعدم التفريط بها لأن الأمن العربي كل لا يتجزأ والمصالح العربية لا تحتاج إلى المزيد من التحديات والأزمات فبعض الدول العربية ما زالت ترزح تحت وطأة ضائقة اقتصادية، أو حروب داخلية، أو تشرذم طائفي وهشاشة وطنية وتدخلات أجنبية سافرة في آن واحد، وهذا يملي على الأشقاء السودانيين ضرورات لابد من النظر إليها من جانبهم مبينها أخذ الدروس والعبر مما وقع في عدد من الدول العربية من قلاقل واضطرابات، والإذعان لصوت العقل والحكمة في هذا الشأن الوطني المهم، وتغليب المصالح العليا للسودان لقطع الطريق على كل المتربصين بهم، والاستجابة للمناشدات العربية في التصالح والتفاوض ووضع لغة الحوار مكان لغة البندقية التي يفترض أن تتوحد ضد أعداء السودان الحقيقيين وليس للتناحر فيما بينهم. راجين الله جلت قدرته أن يصلح ذات بينهم ويعم السلام لربوع السودان الشقيق الذي يعد بحق سنداً وذخراً للأمتين العربية والإسلامية.