خالد محمد الدوس
الموتُ حقٌّ، ولا ينفلت منه أحد، فهو قضاء نافذ، وأمر حتمي لازم، لا مهرب منه ولا مناص.. يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]، وقال تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}.الأنبياء: 35. نعم، الموت حق وهو الزائر الذي يأتي بلا استئذان وسيتذوقه كل إنسان في هذه الحياة الفانية.. والنفس المطمئنة ترجع إلى ربها راضية مرضية مطمئنة.
في صباح يوم الجمعة الموافق 15-10-1444هـ تلقيت ببالغ الحزن والأسى خبر وفاة الأخ الحبيب.. والنسيب القريب للقلب (خالد بن عبد الرحمن الطياش) -رحمه الله - بعد معاناته مع المرض الذي بدأ معه منذ أكثر من عامين وقد كان رغم مرضه وتعبه صابراً ومحتسباً على قضاء الله وقدره ,وهو يردد الحمد الله في كل حال, خاصة بعد وفاة ابنه الشاب الوليد الطياش- رحمه الله- قبل عام ونيف إثر حادث أليم وهو في عمر الزهور بعد عودته من المدرسة.. وكانت لنا صدمة مؤلمة وخبراً مفزعاً وفاةُ الابن الشاب, ولكن والده ورغم مرضه كان مضرب مثل في الصبر والثبات والاحتساب بفقد فلذة كبده وهو يردد الحمد لله على قضائه وقدره, لأنه كان يعلم أن الله عز وجل جعل الحياة الدنيا اختباراً ودار ابتلاء للمؤمن إن اجتازه بلطف الخالق الكريم وتوفيقه خرج إلى الحياة الآخرة ينعم فيها بجنة الخلد التي وعد فيها المتقين.. الفائزين بالثواب والأجر الجزيل.
عرفت فقيدنا الغالي (أبو الوليد) قبل سنوات -بحكم النسابة- وكان صاحب قيم اجتماعية أصيلة وشيم تربوية فضيلة حيث عمل صحفياً متعاوناً كزميل مهنة بجريدة الجزيرة قبل ما ينيف عن عقد من الزمن متخصصاً في الرياضة العالمية وكان من الإعلاميين المتميزين الذين جمعوا بين المهنية العالية والثقافة الرصينة والخلق الرفيع يتعامل مع الجميع بروح مرحة وابتسامة نقية وأدب جم واحترام الصغير والكبير بصورة تنم عن شخصية راقية ومهذبة في تنشئتها التنشئة الاجتماعية والتربوية والأخلاقية والدينية المعتدلة.. وكان منهج حياة في نقاء قلبه وصفاء سريرته وسلامة صدره.. ينطلق من مقولة (ليس من الحكمة صناعة العداء).. نعم كان محبوباً من الزملاء والأحباب والأقارب بحسن الصمت وحفظ اللسان وإنزال الناس منازلهم ونبل تعامله الحضاري .. تلك القيم الأخلاقية .. زرعت محبته لدى كل من عرفه وتعامل معه.. ومن أحبه الله تعالى أحبه الناس.
وفي آخر أيامه المرضية عاش -فقيدنا الغالي- صابراً شاكراً، على مرضه طويلاً، ومع شدة السقم والمرض والابتلاء كان نموذجاً من الصبر والاحتساب والإيمان بقضاء الله وقدره.. لم تفارقه الابتسامة والبشاشة عندما كان يزوره بعض الأحباب والأقارب وكل من أحبه.. ولم يكن يشكو بثه وحزنه إلا إلى الله عز وجل متعلقاً بحوله وقوته لأنه يعلم من الله تعالى مالا نعلم من اليقين وحسن الظن والثقة والتفاؤل ..لأن أمر المؤمن كله خير.. فما يصيبه من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته.
ولأن الإيمان - كما يقول (طبيب القلوب) الإمام (ابن القيم) رحمه الله - نصفان، نصف شكر، ونصف صبر, فقد كان ( الفقيد) كثير الشكر والحمد في كل حال.. ومتمسكاً بحبل الصبر المتين بالذات مع بداية دخول المرض العضال جسده الطاهر.. ومع ذلك كان -رحمه الله- باسم الثغر، كريم الشمائل ..محباً لكل خير.. يحب مساعدة الغير بالعطاء والنبل والمشاعر الجميلة.. فكان حضوره ملهماً وغيابه مؤلماً..
رحم الله أخي الراحل»أبو الوليد» الذي عاش صابراً محتسباً.. ضاحكاً مستبشراً بالخير والرضا والفلاح من الله -عز وجل- بعد أن أمضى (حياة ابتلاء) وهو راضياً وصابراً رغبةً بالفوز بدار النعيم.. وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
نعزي أنفسنا ومَن فقده ممن عرفه حق المعرفة، وجميع أسرة آل طياش وآل كنعان، وأخص بالعزاء والديه وزوجته وشقيقتي الجوهرة محمد الدوس( جدة أبنائه) وزوجها الشيخ عبد العزيز بن كنعان.. سائلين الله -عز وجل- أن يلهمهم جميعاً الصبر والسلوان، ويرحمه رحمة واسعة، ويرفع درجاته يوم يلقى ربه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.