سمر المقرن
الشعر فحولة، كما ألفيناه. والشعر في معيار العرب -بدءاً- فحولة. وكانت تقول العرب هذا شاعر فحل، بمعنى جزل ومتمكن. ولم يكن بين العرب شاعرات. فالشعر في الأعراف للرجال. قد تجد قصائد تاريخية للنساء، بمناسبات استثنائية، وشاعرات مستترات هنا وهناك، لكن حرفة الشعر ليست إلا للرجال عند العرب القدماء. فلو نظرنا بتجرد إلى هذه الفكرة، أو هذه القيمة التراثية في شعر العرب، نجد أنها تتضح بالمقارنة بين قصيدة حيدر عبدالله عن السيارة، وقصيدة لسعد بن جدلان يرحمهما الله، عن الموضوع ذاته، كيف تحمل القصيدتان نفس الموضوع لكن الفرق يكمن في مفهوم الشعر لدى الشاعرين، بين كونه فحولة «المفهوم العربي الأصيل» عند واحد، أو كونه إنسانية مفتوحة تتسع لكل التصنيفات والأفكار ولا تعطي اعتباراً لمثل هذه النزعات المرفوضة في «المفهوم المعاصر» للفن، والشعر، بل والتي يُعد تدميرها حرفة سامية حسب المفهوم الجديد. فالاعتراض العام، من غير المتذوقين للشعر الحديث في جانبه التجريبي، على شعر حيدر عبدالله ليس لحداثته بذاتها، بل لأنه يمثل سابقة جرؤت على تجاوز فحولة الشعر العربي، فكان النفور من صدامية المبادئ الشعرية، بقالبها الأصيل الممزوج بالعنفوان، وثوبه المعروف صاحبه بالسطوة وقريحة النعرات والكبرياء، والفخار. وهو اعتراض نابع من رفض طبيعي ومبدئي بدهي، لمحاولة جريئة تخوض في تحويل نوع الشعر العربي وليس عقله فحسب. إنها نظرة ليست متحصلة من قصور نظر، أو أن عندهم عداوة مع مبدأ تحرير الإنسان من كل أشكال القيود التي تحد من انطلاقه في الإبداع والتعبير والتفوق. بل العداء التاريخي تجاه أن يصبح الشعر العربي غامض النوع.
إن الشاعر الجميل حيدر عبدالله، ما كان ليظهر في أوبريت الجنادرية أيام التسعينيات الميلادية مثلاً، بينما الجماهير مهيأة لسماع شعراء مثل مساعد الرشيدي، و الشاعر خلف بن هذال العتيبي، وغيرهما. وهي حالة تنسحب على كل المجالات، بعد أن تراجعت رمزية الرجل الفاعل الأساسي والمتفرد في حياة مجتمعه العربي، وتصدرت المشهد فاعلية المرأة وحضورها، في ظل ما يسميه النظام الدولي «تمكين المرأة وحماية حقوقها». وكذلك في ظل الموجة العاتية لإجراء تغييرات في الهوية الجنسية عند العالم.
بقي كلمة حق أقولها وإن أغضبت -بعضهن-: الشاعرة السعودية لم تُمكن نفسها، رضيت بالبقاء منزوية، حاولت وأنا أقدم برنامج «نجوم وسمر» أن أستضيف شاعرات، وهنّ من رفض الظهور, في حين كان يتسابق الشعراء «الرجال» على الظهور في برنامجي.