حوار - صالح البلوي:
احتوت حبها للعلم والتعليم منذ بداية مسيرتها وإلى أن تقاعدت تركت بصمتها لجميع من أحبوها وعرفوها بأنها رمز من رموز التدريس العتيقة، المعلمة إكرام الجهني من المدرسة الابتدائية الرابعة في محافظة حقل بمنطقة تبوك، وكان لنا هذا الحوار الشيق معها، كونوا معنا:
حب العمل
• من أين بدأ حب أو شغف الدخول لمجال التعليم لديكِ وتحديداً تعليم الأطفال؟
* ابتدأ من حب الممارسة، فالعمل عبادة والعمل في حد ذاته أصبح هدفا أردت تحقيقه وتحقق بفضل الله، أما بالنسبة للتدريس فقد وصلت إليه من خلال الرغبة والشغف، فإذا الشخص أحب عمله أنجز وأي عمل تحبه سوف تنجز فيه وتبدع، كنت أطمح لهذه الوظيفة، فحب العمل لدي تحقق من الممارسة.
رسالة التعليم
• كيف احترفت مهنة التعليم وهل واجهتك أي صعوبات في بداياتك؟
* بالتأكيد كل شيء في بدايته صعب، لكن الإنسان دائما يطمح إلى الأفضل وبالطبع عانيت في بدايتي كيف أدرس الأطفال وأعلمهم، حصلت على دورات وتوجيهات وتدريب والإنسان لا يقف عند حد معين من العلم، فهو طيلة حياته يتعلم إلى أن يموت، فأنا مارست جميع مراحل التعليم منذ الكتابة على السبورة بالطبشور والوسائل البدائية وصولا إلى التعليم عن بعد ومع الصبر على مهنة التعليم بذاتها وكأن المعلم ينحت في الصخر أثناء تعليم الأطفال، فرسالة التعليم رسالة سامية جدا لا يستطيع أي شخص تحملها، فلا بد أن تكون على قدر من المسؤولية والتحمل والصبر وكل شيء صعب في بداياته، لكنه يلين مع الممارسة ويصبح جميلاً جداً.
مربية الأجيال
• نبذة عن التعليم من وجهة نظرك؟
* هناك مقطع شعري لأحمد شوقي دائما أتذكره وهو:
«قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولاً»
أيضا مقولة الملك فيصل -رحمه الله- «لو خيرت بين الملك والمعلم لاخترت أن أكون معلما»، فالمعلم يؤدي رسالة كبيرة وعظيمة جدا وهي أمانة ولا بد للإنسان أن يحملها على عاتقه، فالله سبحانه وتعالى عرض الأمانة على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها، فأنا كمعلمة أعطي الدرس وأعلم وأفسر وأوصل المعلومة للطفل وأتأكد فهمه لها والوقت نفسه أوجهه وأعلمه الصحيح والخطأ وأعلمه أصول الدين، وأقدم النصيحة، فأنا لست ملقنة للمعلومات، بل مربية لتلك الأجيال النابغة، ومع الأسف بعض المعلمين يهمل جانب التربية للطفل في مراحله الأولى وهذا أمر تترتب عليه أمور شتى، إن تكون معلما لا بد لك أن تكون أهلا لهذه المهمة، الوالدان يحضران الطفل ويضعانه بين يديك وعليك أن تكون على قدر الثقة والمسؤولية، متيقنا بأن هذا الطفل سيخرج من باب هذه المدرسة وقد تعلم.
الأسبوع التمهيدي
• في رأيك كيف نهيئ الطفل للتعلم؟
* لا بد من التخاطب مع هذا الطفل بقدر من الرحمة والصبر، أنا انحني عندما أتحدث معهم، لكي أكون في مستواهم نفسه وأتواصل معهم حسيا وجسديا من تربيت ومسح على رؤوسهم وملاطفتهم وألى أن يصبح الطفل مدركا أن التعلم أمر جميل، أيضا الأسبوع التمهيدي مهم جداً وهو أسبوع تقدم فيه هدايا للأطفال طيلة الأسبوع لكي يتعرف ويأخذ انطباعاً عن مدرسته الجديدة وكيف سيتقبل المدرسة، الأمر أشبه بنزع نبتة من أصيص وزرعها في أصيص جديد وواسع، فالأمر يطول إلى أن ترد الحياة في هذه النبتة من جديد وقد تذبل وترتخي، لكن في النهاية ستجني ثمار تعبك عليها والطفل يشبه تلك النبتة، نزع من أحضان والديه ووضع في بيئة جديدة عليه، كليا أعيد وأكرر الأسبوع التمهيدي مهم جدا للطفل وهو ما سيحدد إذا ما كان سيكمل الطفل تعليمه أو لا؟ من ناحية أخرى في التعلم عن بعد الأمر أسهل، لكن أحيانا إهمال الأهل لمتابعة الطفل يؤخر تقدمه في التعلم، فعندما عدنا إلى التعلم الاعتيادي وجدت أن بعض الطلاب والطالبات دفاترهم فارغة وذلك لعدم متابعة الأم للطفل أثناء الحصة الإلكترونية، الأمر له إيجابيات وسلبيات من ناحية أنني ارتحت، فبدل أن أذهب وأعود إلى الفصول، يمكنني الدخول لأكثر من فصل وأنا في مكاني ومن سلبياته تأثير تلك الأجهزة في عقل هؤلاء الأطفال بسبب الفترات الطويلة من الجلوس على الجهاز اللوحي.
هي الآن معلمة
• ما الموقف الطريف الذي مررت به أو حدث لك ولن تنسينه في إحدى حصص التدريس؟
- كنت أعطي فتيات في الصف الأول دروساً نموذجية وكان عنوان الدرس عن حرف اللام، فطرحت عليهن سؤالا عن كلمة بحرف اللام ووضع هذه الكلمة في جملة مفيدة، فقالت إحدى الطالبات: لام ليمون أجبت: أحسنت يا نورة، حسنا ضعيها في جملة فقالت: الليمون على السلطة، فضحك جميع من في الفصل، بالطبع نورة هي إحدى طالباتي اللاتي درستهن وهي الآن معلمة وقد سبق أن درست أمها.
لم أنس موقفك معي
• حدثيني عن ذكرى من يوم المعلم من إحدى طالباتك وهي ذات منصب، هلا لك أن تحدثينا عنها؟
* هي طالبة والداها مطلقان، فكانت الفتاة بين الأب تارة وبين الأم تارة أخرى في يوم المعلم اتصلت بي قائلة: معلمة إكرام هل تذكريني قلت: لا من أنت، فأخبرتني باسمها قالت: معلمتي الغالية لقد حصلت على درجة الدكتوراه ودرست في أمريكا وأنجبت وأنا بفضل الله ثم فضلك وصلت إلى ما وصلت إليه لم أنس موقفك معي، قلت: ما هو قالت: في آخر الفصل عندما أقمنا حفلة للتخرج بحضور الوالدات وجميع الفتيات وقد أتيت أنا من دون والدتي بزي المدرسة وكان الجميع في أبهى صورة وأنا بشعري المجدل فجلست أنت بجانبي وسرحت لي شعري وألبستني الحلي التي كانت على شعرك شعرت يومها بأنني ملكة، فشكراً لك، هذا الموقف لن أنساه لقد زاد من عزيمتي وثقتي بنفسي.
العطاء والإخلاص
• ما شعورك عندما كرمت من قبل أمير منطقة تبوك كأفضل معلمة للمرة الثالثة على مستوى محافظة حقل؟
* شعور لا يوصف، هي اللحظة التي لم أتوقعها أبدا، فقد تم ترشيحي لجائزة أفضل معلمة على مستوى محافظة حقل، علما بأنني رفضت لأنني أردت أن يكرم غيري ولكن رشحت أنا من بين الجميع وكرمت يومها من قبل أمير منطقة تبوك وعند تسليم الجائزة لي كانت لحظة رائعة للغاية وفي منتهى الجمال، زادني ذلك تواضعا وعطاء.
كتاب لخدمة المعلمين والمعلمات
• حدثينا عن كتاب صدر لك عن واقع تجربتك الذي ألفتيه في فترة كورونا؟
* هو كتاب كتبته بيدي والأحداث التي بداخله تتحدث عن مواقف وأمور عشتها وهو كتاب تمت طباعته من قبل إحدى طالباتي الغاليات وهي سمية قامت بطباعته ونشره مجانا كهدية منها، وهو كتاب قمت بتأليفه لخدمة المعلمين، بل حتى المعلمين الجامعيين، لقد مر هذا الكتاب على معظم البلدان ألمانيا، السودان، والأردن، مر أيضا على جميع مناطق المملكة، فحوى هذا الكتاب طريقة التعامل مع الطفل كيف ذلك؟ الطفل لا يكبر فإلى أن يصل المرحلة الجامعية يظل طفلا فالإنسان بداخله طفل صغير ويملك بالكلمة الحسنة كما في الآية الكريمة وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ، فالشخص في حياته اليومية مع أهله وأصدقائه وقرابته لو كان شخصا بذيئا ودائم الغضب لن تجد من حوله من يتحمله، لكن الكلمة الجميلة والطيبة تكسب الإنسان، بل يكون أسعد البشر، فالكتاب يخبرنا أنه لن تستطيع، بل من المستحيل إيصال معلومة لهذا الطفل إن لم يحبك، فمعلم واحد قادر على أن يكره الطفل للتعليم والعكس صحيح والمرحلة الابتدائية بصمة في حياة الطفل لن ينساها، فلا تجعلوا أيها المعلمون والمعلمات حياة الطفل داخل المدرسة جحيما دعوه يكتشف ويخطئ ويتعلم بنفسه، فإذا أحبك الطفل سيأخذ كل المعلومات التي تعطيها إليه دون كلل أو ملل أو خوف.
سعيدة لكوني اخترت
أن أكون معلمة
• لو اخترت كلمة لتصفي بها تجربتكِ عن تلك الـ40 عاماً من التعليم ماذا ستكون؟
* جهد وطاقة وإنجاز عندما أقابل إحدى طالباتي أكون قد درستها ودرست أمها والبعض منهن كانت زميلة لي في العمل، فكلمة واحدة لن تصف هذا العطاء والجهد الذي سعدت بتقديمه لأطفالي الأعزاء والاحترام والتقدير الذي يقدمه جميع من يقابلوني، شعور لا يمكن وصفه بالمناسبة من تلك المقابلات، كنت في المسجد فجاءت فتاة تسألني عن إن كان بإمكانها أن تأخذ نسخة من القرآن من المسجد فأجبتها: لا يا عزيزتي لا يمكن لأنه وقف، تعالي معي إلى منزلي وسأعطيك نسخة من القرآن، قالت: هل منزلك قريب من منزل المعلمة إكرام قلت لها: وهل تعرفين المعلمة إكرام، قالت: نعم وتبسمت، قلت لها: أنا المعلمة إكرام، فهمت واحتضنتني وقبلت رأسي، فهناك لحظات لن أنساها ما حييت، أنا سعيدة لأنني اخترت أن أكون معلمة وهذه السعادة جزء منها بسبب أولئك الأطفال الرائعين.
ثمرات الجهد
• ما هي أكثر لحظة محببة لقلبك عندما كنت معلمة؟
* وقوفي للشرح وعطائي وتوصيل المعلومة للطلبة، هذا شيء جميل جدا أن أرى أطفالي في نهاية العام يعرفون كيف يكتبون أسماءهم ويعرفون كيف يقرؤون، إنه شعور جميل أن ترى ذلك وترافقهم منذ بداية تعليمهم إلى آخر يوم يخرجون فيه من فصلي، هذه ثمرتي وجهدي لم يذهبا سدى.
الصبر
• ما النصيحة التي توجهيها للوالدين؟
* أنصحهما أن يصبرا ويحتسبا الأجر عند المولى، فعلا الأمر مرهق، فكرة تعليم الطفل والمتابعة والحرص كل ذلك متعب، لكن اصبرا فثمرة هذه التربية والتعلم ثمرة جميلة أن ترى طفلك يكبر أمام عينيك هذا ينسيك هم الدنيا وما فيها.