د. عزت عبدالعظيم
المخدرات هي الوهم أو السراب الذي يلهث وراءه المدمن، فلا يصل لشيء، بل يصاب بأضرار كثيرة، ليست فقط الأضرار الجسمانية والتأثيرات النفسية السيئة، ولكن أضرارها تطال أموراً أُخر، مثل: الأضرار المادية والاجتماعية والدينية والأسرية، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
1 - الأضرار النفسية: قد يعتقد الشخص أن هذه المخدرات تعالجه، أو تخفف من معاناته النفسية، أو تعطيه السعادة والنشوة واللذة والمتعة الزائدة عن حالة الاستقرار النفسي الذي يعيشه إذا كان لا يعاني من أي مشكلة نفسية، ولكن بعد الدخول لهذا العالم الخدّاع يعاني من الاكتئاب والقلق والإحباط والصراع النفسي والاعتماد على المخدرات التي أصبح أسيراً لها، تتحكم فيه، وتبتزه، ولا تعطيه الراحة النفسية التي كان يريدها.
2 - الأضرار الجسدية: هي كثيرة جداً حسب نوع المخدر، وطريقة عن تعاطيه، وشدة إدمان المخدر ومدد التعاطي والآثار الضارة الناتجة عن كل مخدر، ومنه التأثير المدمر والضار على المخ الذي تتفق فيه معظم المخدرات وما تحدثه في العقل من هذيان وذهول وجنون وهوس واكتئاب، وكذلك تأثيره القاتل في بعض الأحيان نتيجة جرعات عالية، أو نتيجة جرعة زائدة، قد تؤدي لحوادث السيارات أو الحرائق، بخلاف أمراض عضوية كثيرة مثل: تليف الكبد، وقرحة الأنف، أو المعدة، أو في الإصابة بالالتهاب الكبدي الوبائي أو الإيدز، أوفشل الجهاز التنفسي وكذلك ضمور الأعصاب، وخصوصاً عصب الإبصار، وما يؤديه من فقد الإبصار، وكذلك أضرار المخدرات بصورة مباشرة على الجنين عند المدمنات، أوتعرض المولود للأعراض الانسحابية.
3 - الأضرار المادية: حيث إن المخدرات من الأمور المكلفة مادياً، وبالتالي قد تحول الأغنياء إلى مفلسين معدمين لا يملكون قوت يومهم، كما يتكبد المدمنون وذووهم وكذلك الدولة ومؤسساتها أموالاً طائلة في علاج المدمنين وتأهيلهم، إضافة إلى عدم إنتاجية هؤلاء المدمنين.
4 - الأضرار الاجتماعية تكون على المستوى الأسري وما تؤديه من المشكلات والخلافات الزوجية والعائلية والتفكك الأسري وحالات الطلاق وتشريد الأبناء، وتحول الشخص المدمن إلى بؤرة فساد وأذى وليس فرداً نافعاً لأهله ومجتمعه وبالتالي ينعكس ذلك على المجتمع وتتأخر الدول التي ينشغل أبناؤها بالمخدرات، ويكثر فيها معدل الجريمة والانحرافات السلوكية؛ لأن الإدمان يؤدي للسلوكيات السلبية الأخرى من سرقة وقتل وانحرافات جنسية للحصول على المخدرات وانحطاط القيم والأخلاق بين المدمنين.
إن وقاية أبنائنا من الإدمان تحتاج لخطة متكاملة على جميع المستويات، ابتداءً من الشباب ومروراً بالأهل والمجتمع والأسرة ونهاية بالأجهزة الحكومية، والكل مطلوب منه القيام بهذه الرسالة العظيمة والتعاون في هذا السبيل، ويمكن تلخيص ذلك في بعض النقاط التالية:
1 - تكثيف الوعي من خلال أجهزة الدولة ومؤسساتها الحكومية، ومن خلال الجمعيات الأهلية الخيرية والاستعانة بعلماء الشريعة، وخبراء الإعلام، من خلال وسائل الإعلام من صحف ومجلات وتلفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال الندوات والمؤتمرات والخطب في المساجد، وذلك بتوضيح الآثار الضارة والمدمرة للمخدرات، وترسيخ القيم والمبادئ والمثل العليا الدينية التي تمنع أبناءنا وشبابنا من الوقوع في لظى المخدرات، ومسؤولية الأهل في تحذير الأبناء من هذه المشكلات من خلال المناقشات البناءة والهادفة مع الأبناء، والاقتراب منهم، والاستماع لمشكلاتهم، والرد على أسئلتهم واستفساراتهم، وتوضيح الالتباس والغموض.
وكذلك تصحيح الأفكار الخاطئة لدى الشباب من خلال الشخصيات المسؤولة والقيادية المثقفة كطلبة العلم، والأطباء، كل ذلك ضرورة لتوعية الشباب، وحمايتهم من الانحراف والتخبط، وبالتالي اللجوء للمخدرات خصوصاً في أوقات الصراع النفسي، وكذلك أيضاً زيادة الوعي الديني والتعريف بحرمة المخدرات، كونها من الكبائر والموبقات التي يعد تعاطيها معصية كبرى لله سبحانه وتعالى-وأذى-وإضراراً بالنفس والمال والأسرة والمجتمع والأعراض.
2 - تقوم أجهزة الدولة بدور مهم في منع حدوث الإدمان، وذلك من خلال منع دخول المخدرات للبلاد من البداية، وإحكام الرقابة على المنافذ وتغليظ العقوبات على التجار والمهربين وكذلك توفير الحدائق والمتنزهات والملاعب والساحات الرياضية الشعبية والنوادي، أو عمل معسكرات للشباب وإيجاد مجالات متنوعة للترفيه وشغل أوقات الفراغ لدى الشباب في ممارسة الرياضة، وعمل الأشياء المفيدة للنأي بهم عن الانحرافات وخصوصاً المخدرات.
3 - ولا ننسى دور المدرسة والمنزل وأماكن العمل، حيث إن المتابعة المستمرة والتعاون الصادق يحميان الشباب من الانحراف والاتجاه للمخدرات من خلال العقاب الرادع، وعدم تهاون الأهل والمجتمع أمام أي تغيرات سلوكية منحرفة، وكذلك إيجاد القدوة والمثل الذي يحتذي به الشباب مع التواصل والمحبة والمودة بين الأجيال، والتكاتف من أجل حل أي مشكلة تواجه أي شاب مع غرس المبادئ والقيم الدينية السامية، ومن خلال التزام رموز القدوة للشباب في المنزل والمدرسة والشارع والعمل.
4 - يجب ألا ننسى دور الشباب أنفسهم، فالكل يريد مصلحته ويحافظ عليها من المخدرات والإدمان، فيجب أن يكون هو أحرص الناس على نفسه، وعلى مصلحته، فالصحة والشباب أمانة في عنقه، يجب ألايضيعها حتى لا يندم وقت لاينفع الندم.
لاشك أن علاج الإدمان من الأمور الصعبة والمعقدة حيث يتطلب تضافر الجهود كافة، فهي ليست علاجاً طبياً فقط، أو حتى علاجاً نفسياً، وحتى ننجح في علاج الإدمان يجب أن نعرف الإجابة عن أسئلة كثيرة تدور في أذهان المهتمين بهذا الأمر، هل الإدمان قابل للشفاء أم لا؟ ما وسيلة العلاج؟ وما أسس العلاج الناجح؟ وما المطلوب لإنجاح العلاج؟
وإن علاج الإدمان الناجح يتطلب صدق النية من المدمن نفسه، ومساعدته الإيجابية في العلاج حتى يساعده فريق العلاج النفسي في التخلص من الإدمان من خلال البرنامج المناسب لكل حالة وبما يتلاءم مع ظروفه واحتياجاته، وحسب النوع المخدر، ودرجة إدمانه، ورحلة التأهيل بعد ذلك؛ لكي يكون شخصاً طبيعياً نافعاً لنفسه ولمجتمعه، ولأن علاج الإدمان من الأمور المعقدة فإنه يحتاج لفريق مؤهل، وفي مصحات خاصة بعلاج الإدمان، يعاونه أخصائيون نفسيون واجتماعيون، وهذه المصحات مجهزة خصيصاً لعلاج الإدمان، فيها العلاج الدوائي والنفسي والاجتماعي، ووسائل الترفيه، وشغل الأوقات بما يفيد في أثناء العلاج داخل المصحات، ويتوقف نجاح علاج الإدمان على مدى القدرة على مساعدة المدمن في التغلب على أعراضه الانسحابية التي تجبره على التعاطي مرة أخرى وهذه المدة الحادة تتطلب مساعدة الشخص فيها حتى تمر دون مضاعفات صحية أو مشكلات نفسية.
وبعد ذلك تأتي مرحلة التأهيل، وغرس المبادئ والقيم لدى المدمن خلال الجلسات النفسية، وندوات التوعية والنصح والإرشاد والتوجيه، وكذلك تقوية الجانب الإيماني، وإحياء السلوكيات الإيجابية والقيم الاجتماعية والأخلاقية التي تجعل الشخص المدمن يتجه لأن يكون شخصاً نافعاً لنفسه أولاً، ولأهله وبلده ثانياً. وحتى لا يعود إلى الإدمان لابد أن نقوم بعمل جرعات تحصينية للوقاية من الوقوع في الإدمان مرة أخرى، وهنا يبرز دور الوقاية التي هي خير من العلاج بعد ذلك، وحتى لا تحدث الانتكاسات، ويعود الشخص للإدمان مرة أخرى.
إن الإيمان الصادق يأتي قبل الاقتناع العقلي والوجداني في الوقاية من المخدرات لأي شخص، حيث يعتمد الأطباء النفسيون في الغرب على عامل الاقتناع الوجداني والعقلي للفرد بأضرار ومساوئ المخدرات كأساس لحمايته من الانزلاق في عالم المخدرات حماية لما يسمى بالحرية الشخصية للتصرفات والسلوكيات ولذا فهم يعتمدون على استخدام وسيلة الإقناع العقلي والوجداني للشخص بأضرار المخدرات، ومساوئها وآثارها السلبية المدمرة على الصحة والمال والعلاقات الاجتماعية والأسرية، ولكن بالرغم من وجود حالة الاقتناع لدى الشخص المدمن قبل دخوله الإدمان إلا أن هذا لا يمنع الإدمان وكثيراً ما ينزلق الشخص في هذا المستنقع ولأسباب واهية، وثمة أمرٌ أقوى وأهم من الوقاية من هذا الانحراف، ألا وهو الإيمان الصادق، والإسلام الحق الصحيح الذي يجعل المؤمن يمتثل، ويطيع أوامر الخالق عز وجل- وفي فعل الخيرات والابتعاد عن المعاصي والذنوب حتى ينال رضى ربه، وكرمه في الدنيا والآخرة، ولأنه يعلم أن الله حرّم على المسلم المخدرات بكل أنواعها تحريماً جازماً قاطعاً لاجدال فيه، وعدها من الكبائر؛ ولهذا، فمن يعصي الله ورسوله الله في هذا الأمر، ويجري وراء ما حرم فإنه ينال سخطه وغضبه وعقابه في الدنيا والآخرة، ثم يأتي بعد ذلك الاقتناع والاعتقاد بأن الله لم يحرم المخدرات إلا لكثرة أضرارها ومساوئها على المسلم، حيث يقول تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} (الأعراف: 157)، وعلى افتراض أن المخدرات ليست لها أضرار فإن الله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بالابتعاد عنها، وهذا يكفي، فالمؤمن الحقيقي لابد أن يتمسك بتعاليم دينه، ويرسخ الإيمان الصادق في قلبه وعقله ووجدانه، فيبتعد عن المخدرات من تلقاء نفسه، حتى دون الحاجة لما يسمى بالاقتناع العقلي والوجداني دون تردد أو اعتراض مع العلم علماً أكيداً مدى الضرر والأذى الذي سيحدث له عندما يسير في هذا الطريق المعوج، والذي سيؤدي لما سبق ذكره من أضرار ومآسٍ على جميع المحاور الصحية والمادية والدينية والاجتماعية والأخلاقية والأمنية.
إن الإيمان الصادق هو الذي يحفظ، ويحمي صاحبه من غواية شياطين الإنس والجن؛ ليسعد في الدنيا، ويفوز في الآخرة بالجنة ورضوان الله، وبالتالي فإن الابتعاد عن المخدرات يتطلب من الشخص الإيمان بحرمة تعاطيها، وكذلك الابتعاد عن أي طريق يؤدي إليها من مصاحبة رفقاء السوء، واختيار الأصدقاء الأسوياء الذين يعينون على الخير فقط، وكذلك اللجوء للطبيب النفسي في وقت الأزمات حتى تستقر الحالة النفسية؛ وذلك بعد اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى.