عمر إبراهيم الرشيد
خاضت المملكة عبر تاريخها وما تزال حروباً على عدة جبهات وفي أكثر من ميدان دفاعاً عن أمنها ومقدساتها، فقد تصدت لمحاولات النيل من حدودها وأمنها من قوى إقليمية، وعلى امتداد تاريخها الحديث لم تتوقف قط حملاتها الدبلوماسية للدفاع عن الحقوق العربية والإسلامية. وهناك حرب ضروس تخوضها المملكة إلى جانب كل ذلك ومنذ سنوات طوال، وهي حرب القضاء على تهريب وترويج المخدرات بأنواعها من دول إقليمية وبأساليب غاية في الخبث والانحطاط وباستخدام جميع الوسائل المتاحة، لتدمير عقول وأرواح شبابنا وبناتنا وهم عماد المجتمع بل وكل المجتمعات البشرية. لكني أزعم أن الحملة الجارية هي الأبرز من حيث قوة الإجراءات والشمولية والعقوبات الرادعة، بحيث إنها تذكر بالحرب على حدودنا الجنوبية من حيث الرصد والانقضاض وإبطال أي هجمة تجاه أرض الوطن.
وللتذكير بخطورة هذا النوع من الحروب، يسجل لنا التاريخ ما يسمى بحرب الأفيون التي وصفت (بالحرب القذرة) وهي التي شنتها الدولة الاستعمارية بريطانيا وعاونتها فرنسا ضد الصين ( وكأن التاريخ يعيد نفسه حالياً )، والهدف من هذه الحرب إيقاع جزء من الشعب الصيني أو كله إن أمكن في إدمان مادة الأفيون المخدرة لما لهذه المادة من عوائد مالية ضخمة، وكذلك إضعاف الصين اقتصادياً بسبب رفض إمبراطور الصين من الملك جورج الثالث استيراد بضائع من بريطانيا وأن الصين مكتفية ذاتياً، على أن بريطانيا تدفع للصين نقدياً وبالفضة مقابل الحرير والشاي والبورسلان الصيني. وبالفعل حين عمدت بريطانيا إلى تهريب الأفيون عن طريق شركة الهند الشرقية وعبر الحدود الهندية الصينية، انتشر الأفيون بين الصينيين فأدمنوه حتى اضطر بعضهم إلى بيع كل ما يملك حتى يشتري الأفيون، تماماً مثل ما يحدث الآن بسبب إدمان المخدرات بأنواعها. قاومت الصين وصادرت آلاف الأطنان وأحرقتها أمام التجار والمهربين البريطانيين عندما داهمتهم في أوكارهم. بدأت حرب الأفيون في القرن الثامن عشر الميلادي ولم تقض عليها الصين تماما إلا في عهد ماو تسي تونغ في النصف الأول من القرن العشرين.
حرب المخدرات هي الأخبث على الإطلاق لأنها تستهدف العقول والأرواح والاقتصاد، تفتك بالروح الاجتماعية وتدمر الأخلاق والأنفس، وعلى كل فرد عاقل في هذا الوطن دور للمساهمة في هذه الحرب بما يستطيع وحسب قدراته، وبالتعاون مع من هم على خط الجبهة الداخلية من رجال مكافحة المخدرات وكوادرهم النسائية كذلك، ورجال الأمن بقطاعاته المختلفة، والإبلاغ عن أي مشتبه به أو حتى مبتلى بالتعاطي عافانا الله وإياكم. حمى الله بلاد الحرمين قيادة وشعباً من هذا الداء الدوي، وحمى الله شبابنا من هذه الأمراض الفاتكة، اللهم وجميع بلاد المسلمين، وإلى اللقاء.