حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
أنور بن سعيد بن أنيس العطار, شاعر سوري رقيق, من أهل القرن العشرين, من أدباء المدرسين، دمشقي المولد والوفاة, نشأ يتيماً فقيراً, فكفله أخوه الأكبر، حيث تلقى علومه الابتدائية في بعلبك, وكان في أول أمره ولعاً بالرياضيات، وقد تخرج من كلية الآداب في الجامعة السورية, وكانت شهادته هذه خامس شهادة تعطى من كلية الآداب بدمشق عام 1935م, شارك في تأسيس المجمع الأدبي في دمشق سنة 1934م, وكان له شرف الانتماء إليه والإسهام في لجنته الإدارية.
أمضى حياته في تدريس الأدب العربي في ثانويات سورية والعراق حيث لبث فيه مدة خمس سنوات, كما عمل في المملكة العربية السعودية, وتولى رئاسة ديوان الإنشاء في وزارة المعارف. قدرته الحكومة العراقية مشيدة بأدبه وجهوده, حيث منحته لقب (مواطن شرف في حزيران 1956م) وذلك حين زار العراق على رأس بعثة ثقافية تقديراً لنبوغه واعترافاً بما له من يدٍ على شباب العراق في تدريسهم الأدب العربي وقلده جلالة الملك الحسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية وسام (الكوكب الأردني) في أذار سنة 1955م, وذلك حينما آزار الأردن على رأس وفد ثقافي, كما قام برحلة إلى وادي النيل في مطلع عام 1957م, وتشرف بمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية المصرية والتقطت لهم الصور التذكارية, كما كرمته المملكة العربية السعودية في وضع اسمه بين المميزين الكبار الذين أسهموا بالمشاركة في نهضتها التعليمية واتصل بمحمد كرد على رئيس المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية اليوم).
وكان من أصدقائه معروف الأرناؤوط صاحب رواية (سيد قريش) وجريدة فتى العرب, ومنهم الشاعر محمد البنرم, وكان من أصدقائه الخلص أديب الشام الشيخ علي الطنطاوي وكان بينهما ألفة روحية, فقد كانا طالبين في نفس المدرسة, وظروفهما الاجتماعية كانت على قدر كبير من التشابه فكلاهما كان من العوائل السورية المعروفة, كما عانيا اليتم ورقة الحال, ومن عجائب القدر أن والديهما يرقدان في نفس المقبرة, المعروفة بمقبرة الدحداح, وزادت الرابطة الروحية بينهما جداً فلا يذكر أحدهما إلا وينوه بالثاني, وجمعتهما الغربة فرحلا جميعاً ليعملا مدرسين في بغداد, حيث عملا في نفس المدرسة, وكتبا في نفس المجلة, واستمتعا بجلسات أدبية ودية, فأحدهما يكتب والآخر ينظم, وكان من أشد المعجبين بأمير الشعراء أحمد شوقي, حيث أكثر من قراءة شعره, وحفظ جملة من قصائده, وكان معجباً بالأديب أحمد حسن الزيات الذي عرف بأسلوبه الشاعري الأنيق, فهو صاحب مجلة الرسالة ومترجم رواية (الأم فرتر), وبادله الزيات الإعجاب, حيث كتب مقالاً بعنوان: (نفحات من أدب دمشق) ومما جاء فيه:
(سورية المعجبة التي ولدت أبا تمام والبحتري والمتنبي وأبا فراس وأبا العلاء لا تزال تلد الموهوبين من عباقرة الفن والفكر, لم تعقم بهم في أي زمن, ومن بينهم شاعرها غير مدافع أنور العطار.
وأصدقاء الرسالة لا يزالون يجدون في ذاكرتهم حلاوة ما نعموا به من روائع أدبه طول عشرين سنة) وتأثر العطار بالشعر الفرنسي الروماني وترجم قصائد لامرتين والفرد دوموسية وفوليتر, وبدأ نظم الشعراء مذ كان يافعاً في التاسعة عشرة من عمره, وذلك بقصيدة مطلعها:
خلياه ينح على عذاباته
ويضع من دموعه آياته
ويرتل آياته بخشوع
مستمداً من العلا نفحاته
وبلغت أبيات القصيدة ستة وخمسين بيتاً وصف فيها مشاعره وخلجاته, ثم استمر يراسل الصحف والمجلات العربية مثل (الرسالة) و(الزهراء) التي كان يشرف عليها محب الدين الخطيب, كما - راسل الأديب اللبنانية منذ تخرجه من مدرسة الآداب العليا ولمع اسمه في دنيا الأدب والشعر وترافق ذلك مع ظهور الشاعرين الشابين (زكي المحاسني) و(جميل سلطان) حيث أقام لهم المجمع العلمي العربي حفل تكريم تقديراً لنبوغهم. وكان يلقي شعره في المناسبات الثقافية مثل مشاركته في مهرجان الشعر الثقافي الذي أقامه بدمشق سنة 1960م المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية أيام الوحدة بين مصر وسورية, وألقى في هذا المهرجان شعراء آخرون من شتى أقطار البلاد العربية.
وتميز شعره بوصف الأزهار والحدائق الغناء, وكان مغرماً بها, قال عنه محمود فاخوري: (يغلب على موضوعات شعره الاهتمام بالطبيعة من حوله ووصف الأزهار والحدائق لأنه كان مغرماً بهما ومحباً لهما, فتجد في شعره جمال الطبيعة كلها وعناية بالمدن والأماكن التي عرفت بطبيعتها الفتانة وأنهارها الجميلة كدمشق وغوطتها وبرداها وخريفها وربيعها ولبنان وجباله ووهاده وسمائه وبحره ومصايفه البديعة وبغداد ودجلها وليلها المهيب الرهيب والبصرة ونظم في كل ذلك شعراً جيداً, هو رجل لا يصعب على قارئه أن يستنبط خصائص تلك الشخصية من أديب هادئ مرهف الحس منقطع إلى عمله وتأملاته) وهو أشبه الشعراء بالبحتري من حيث رقة الأسلوب والميل إلى الوصف, وهو يحرص على حلاوة الجرس وجمال الإيقاع أكثر من عنايته بطرافة المعنى وجدة الصورة ومن رائق شعره في وصف بردى نهر دمشق الخالد:
بردي المشتهى يفكر شعرا
وهو يحيا لحناً وينساب عطرا
في حناياه أضلع تتناجى
وقلوب من حرقه الحب حرى
خبر العالمين جيلاً فجيلاً
ووعى الكائنات دهراً فدهرا
ومن شعره الذائع قوله:
وآذار يلعب فوق المروج
كما تلعب الطفلة اللاهية
يعانقها وهو جم الحنين
فتغريه بالمقلة الرانية
ويلقي عليها وشاح الخلود
وألوانه العذبة السابية
ويبعث فيها شعاع الهوى
فتهتز في وجهه ضبابية
هذا وقد طبع ديوانه الأول سنة (1948م) وله كتاب (الزاد - ط) في الأدب والنصوص, ولا يزال مخطوطاً من شعره كما ذكر العلامة خيرالدين الزركلي في كتاب الأعلام, (البواكير) و(وادي الأحلام) و(البلبل المسحور), ومنعطف النهر) و(علمتني الحياة) و(ربيع أحبه) ومن كتبه النثرية غير المطبوعة (الوصف والتزويق عند البحتري) و(أسرة الغزل في العصر الأموي) و(الخلاصة الأدبية) و(شوقيات لم تنشرها الشوقيات) و(ألف بيت وبيت) وله مسرحيتان شعريتان مخطوطتان وهما: (آخر ملوك العرب في الأندلس أبو عبدالله الصغير) (ومصرع أبي فراس الحمداني) وله دراسة نثرية عن خير الدين الزركلي. وحينما تقرأ البيتين اللذين وضعهما في أول الديوان عند صورته تجد النسيج واحداً في أشعاره المنشورة في الديوان وفي المنشورات الأخرى.
غفلت عن المنون وغني
تُ ولحن الحياة لحن قصير
وبنفسي قيثارة تتشكى
وأنا الدمع والأسى والشعور
وله قصيدة أخرى يقول فيها:
أطوف بالغابر النائي فيحزنني
أني فرشت طريق الأمس أشجانا
وأن طويت على غم صحائفه
وإن مررت بحلو العمر أسوانا
وأن شقيت وكان السعد يكلؤني
وإن ضجرت فذقت المر ألوانا
فليت أحلامه دامت مناعمها
وليت طول التشكي منه ما كانا
كان يميل في حياته إلى العزلة والانطواء على نفسه, كما وصفه معاصره وابن بلده العلامة خير الدين الزركلي الذي قال عنه: (كان يميل إلى العزلة ويبتعد عن الأحزاب السياسية) ولم يكن يخالط الناس إلا بقدر مكتفياً بثلة منهم, ولعل هذا عائد إلى ما عاناه في صغره من يتم وفقر, ويضاف إلى ذلك جو الحرب العالمية البغيض الذي خيم عليه فلم يمرح مرح الطفولة في صغره وتشير بعض الدراسات التي كتبت عنه أنه تعرض للإهمال والنسيان من قريب الناس وبعيدهم, والدليل على ذلك أن أعماله لم تر النور, وديوانه (في ظلال الأيام) لم يطبع منذ عام 1948م, ولم يتناول النقاد شعره بالدراسة فضلاً عن تأليف الرسائل الجامعية عن حياته وشعره, لم يحدث شيء من ذلك فقد لفه التغافل, وخيم النسيان على ركابه, يقول عن عزلته:
أنا في عزلتي يطيف بي الرعب
فأبكي من طول شجوي وأفرق
تعتريني الهموم فالطرف حيرا
ن مندّى من الدموع مؤرق
وجناني ولهان يرمضه الحب
ويذكو به الجوي إن تشوف
هذا وقد توفي إثر عملية جراحية في مستشفى المواساة ودفن في مقبرة الدحداح عن عمر ناهز أربعة وستين عاماً.
بينما الشاعر الحزين يناجي ربه والصباح في بشرياته غاب عن عالم الشقاء وفاضت روحه وانطوى ببرد نجاته فأتركاه ينعم بنوم طويل علَّ في الموت راحة من حياته.
وأهدت أسرة الشاعر أنور العطار مكتبته العامرة إلى المكتبة الظاهرية بدمشق, لتكون في متناول من يريد الغوص والتوسع في أدب العطار.
المراجع:
الأعلام (2/ 29).
- موقع أنور العطار ويكيبيديا
- أنور العطار من شعراء المدرسين
البيان - د. محمد رضوان الداية
28 سبتمبر 2006م
- موقع الاتجاه الإسلامي في شعر أنور العطار - رابطة أدباء الشام - عمر محمد العبسو
موقع أنور العطار.
ذكاء رواس قلعجي.
موقع أنور العطار . دار المفتبس
موقع العطار أنور.
الموسوعة العربية - محمود فاخوري
- الأعمال الكاملة الشعرية والنثرية للشاعر السوري أنور العطار بالعربية.