زكية إبراهيم الحجي
الدعايات والإعلانات بما تحمله من رموز وصور فاتنة وجذابة ترتبط داخلنا بشعور ما أوفهمٍ ما وحتى بمكانٍ ما.. قد لا ندرك معناها للوهلة الأولى.. فصور الدعايات بمختلف أنواعها تمتلك حساً جمالياً له قوة تأثير على عقل وذات الإنسان وتلقائياً يجد نفسه منجذباً إليها لاعتمادها أسلوب الدهشة والابتكار واللعب على الاستجابات العاطفية والمشاعر الداخلية.. الدعاية والإعلان بمختلف صورها وأساليبها فن مروج للبضائع.. السؤال هل ثمة علاقة بين صناعة الشعر وصناعة الإعلان وماذا لو كان الترويج لبضاعة ما بأسلوب الفن الأدبي كالشعر مثلاً.
عزيزي القارئ.. تخيل أن أول إعلان في تاريخ العرب عبارة عن بيت شعر وتحديداً في العصر الأموي الأول وكان لربيعة بن عامر الملقب (بالدارمي) وكم كان هذا الشاعر مفتوناً بالنساء الجميلات والتغزل بهن، وعندما تقدم به العمر ترك نظم الشعر والغناء واستقر في المدينة، وفي إحدى المرات التقى بصديق له من أهل العراق ويعمل تاجراً في بيع (الخُمْرِ النسائية) فباع جميع الألوان ما عدا اللون الأسود فتملكه شعور الحزن وبينما هو في تلك الحالة مرَّ عليه صديقه (الدارمي) وسأله عن سبب حزنه فروى له قصته مع الخمار الأسود وكيف تسبب في خسارته فقال له الدارمي لا تحزن سأعطيك أبياتاً شعرية عندما تنشدها أثناء تجوالك في السوق ستجد أن بضاعتك قد بيعت كلها وأنشد الدارمي القصيدة التي مطلعها
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا فعلتِ بناسك متعبدِ
إلى آخر القصيدة.. وبالفعل انطلق التاجر إلى السوق وراح يتغنى بأبيات القصيدة وفُتِن جميع من كان في السوق بأبيات القصيدة وراحوا يتغنون بها واشترت النساء الخمار الأسود وصار اللون الأسود لوناً مفضلاً لدى النسوة، وكانت تلك القصيدة بمثابة أول إعلان ترويجي لسلعة تجارية في التاريخ البشري.. والواقع أن الكثير من شعراء التاريخ القديم كانوا صنّاع إعلان دون أن يدركوا أن ذلك البعد الأدبي صناعة تمثل شرياناً لترويج سلعة ما أو منتج معين