حسن اليمني
لقد كان الوطن العربي منذ احتلال العراق في حالة تيه وتشتت في المواقف نتيجة غياب الزعامة القادرة على إعادة توحيد الاتجاه، وقد أنتج هذا التشتت فوضى وحروباً أهلية في أكثر من قطر عربي، وزاد من تحمّل دول الخليج العربي الغنية أعباء مالية لإنقاذ الاقتصاد في أكثر من قطر عربي، وكل ذلك للأسف لم يؤت النجاح المطلوب.
لم تكن هناك خطة ولم تكن هناك إرادة في المنظومة العربية لإنقاذ الموقف من تشرذمه وتحزبه لانشغال كل قطر بهمومه ومشاكله والتي في أغلبها لم تكن نطفة داخلية بقدر ما هي نتيجة تدخلات خارجية أرادت استثمار هذه الفوضى لمصالحها على حساب المواطن العربي.
وفي اجتماع زعماء الدول العربية الأخير في جدة والذي لأول مرة لم يحتاج إلى جلسة مغلقة كما جرت العادة في علامة مميزة تحسب لهذا الاجتماع ولقيادة المملكة العربية السعودية صدر بيان قمة جدة بتوافق تام لخصته كلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الموجزة بدقة التفاصيل وبعنوان واحد كامل شامل حين قال: لن نسمح أن تتحول منطقتنا ميداناً للصراعات، وكانت هذه الجملة كالسيف والحد الفاصل بين الأمس والغد دعمه وأسنده حضور روسيا وأمريكا ممثلةً في بشار الأسد وزيلينسكي ليكن الأمر واضحاً وجلياً لقوى العالم أجمع بصدق التوجه في تخليص المنطقة العربية من صراعات الشرق والغرب.
إن التشخيص الحقيقي الدقيق لحال المنطقة العربية وبشكل واضح ومباشر هو بمثابة ثلاثة أرباع العلاج، والأمر كذلك، فإن المملكة العربية السعودية وهي تشخّص الداء عملت وما زالت تعمل في تركيبة الدواء من خلال إعادة ربط دول المنطقة بجوارها الإقليمي في علاقات حسن جوار وتعاون اقتصادي وتنموي تنبسط آثاره على دول المنطقة كافة من خلال إطفاء بؤر ونقاط الاختلاف المصطنع الذي جعل من المنطقة ميداناً لصراعاته على حساب أمن وسلامة دول المنطقة واستقرارها.
هذا الدور القيادي هو الغائب عن المنطقة منذ عقود وهو الحاجة المفصلية لاستعادة المنطقة لزمام أمرها لتخرج من كونها ميدان صراع وتطاحن إلى منطقة ازدهار اقتصادي وتنموي حضاري يرقا ليصبح بمثابة إبرة الميزان بين الشرق والغرب لحفظ أمن وسلامة العالم كله، هذا الدور القيادي الذي تجاوزت فيه المملكة العربية السعودية آثار التطاحن والعداء في العقود الماضية لنبل وسمو الغاية والهدف هو الخلاص الآمن للمنطقة من براثن التدخلات والتشرذم الذي عطل مسارات التنمية والتقدم والتطور في كثير من دول المنطقة وجوارها وانعكس سلباً على جودة الحياة لمواطنيها ووسع مساحات العوز والحاجة والفقر والجهل والتخلف إضافة إلى القتل والتدمير المستمر طيلة العقدين الماضيين.
إن دعم هذا الدور القيادي للمملكة العربية السعودية من قبل دول المنطقة العربية وجوارها أصبح هو المنفذ الوحيد للخروج للمستقبل بشكل آمن ضامن لكل دول المنطقة في خيار الازدهار والبناء بدلاً من التطاحن والخصومة المصطنعة، ذلك أن قواعد التاريخ والجغرافيا راسخة وثابتة ومستمرة للأزل، ولا توجد قوة في العالم تستطيع تغيير هذه القواعد الراسخة، لهذا أصبح دعم هذا الدور نجاة للمنطقة وجوارها، وهي فرصة تاريخية لتغيير قواعد اللعبة الأممية التي تخدم أممها ومصالحها رقي وتطور على حساب استقرار وأمن وسلامة شعوب المنطقة، ولا شك أن الطريق لن يكون سهلاً وميسراً وخالياً من التحديات ولكن ألا يكفي زعماء هذه المنطقة عقود من البؤس والتيه.