أ.د.عثمان بن صالح العامر
من في عمري يتذكر الامتحانات المركزية الموحدة على مستوى المملكة حيث تأتي الأسئلة من وزارة المعارف في العاصمة الرياض بشكل سري عجيب إلى جميع مناطق الوطن عبر البريد السعودي وعليها الشمع الأحمر رمز السرية التامة، وعنوان السلامة من التسرب والكشف، ويفتح الظرف صبيحة الامتحان من خلال لجنة سرية يترأسها مدير المدرسة، وطلاب القرى النائية يحضرون للمدينة من أجل إجراء الامتحان النهائي في سادس ابتدائي والكفاءة والثانوية العامة، وتنشر أسماء الناجحين في الصحف بل تذاع عبر الراديو، فهي أحداث مهمة في مسيرة التعليم ولذا تحظى بهذا الاهتمام الكبير من قبل الإعلام آنذاك حيث كان المذياع هو الناقل الرئيس لكل جديد، والصحافة هي الوسيلة الوحيدة لاحتفاظ الطالب وأسرته ومدرسته بهذا الإنجاز الذي بسببه خلد اسم الطالب وعائلته ومدرسته مدوناً في صفحات الجرائد التي يقرأها ويتناقلها الجميع. وما هي إلا سنوات ثلاثين أو أنها تزيد قليلاً حتى بدأت تتلاشى هذه المركزية المرهقة شيئاً فشيئاً إلى أن صارت امتحانات الشهادة الثانوية فضلاً عن الكفاءة والسادس مثل باقي السنوات الدراسية، يتولى وضع الأسئلة والتصحيح أستاذ المادة دون أي تدخل خارجي، الأمر الذي كان سبباً من أسباب ضعف مخرجات التعليم العام، حيث التباين الواضح بين نتائج الثانويات العامة في عدد من قرى ومدن ومحافظة المملكة، ربما نتيجة المحاباة والمجاملة من قبل المدرسة، أو جراء عدم الدقة في رصد الدرجات، أو لتهاون المعلم في المراقبة على الطلاب أثناء سير الامتحان، أو لسهولة الأسئلة والاعتماد على الملخصات أو ما ماثل ذلك، الأمر الذي جعل النسب المئوية في الثانوية العامة ليست مقياساً دقيقاً لمستوى الخريج باتفاق، مما دعا كليات المعلمين - التي كانت في ذلك الوقت بمثابة جامعات تنتشر في مناطق المملكة الثلاثة عشرة أجمع - وضع امتحانات خاصة بها للراغبين الالتحاق بإحدى بإحداها، وادخلت وكالة الوزارة لكليات المعلمين من ضمن امتحانات القبول الإملاء الذي كشف شيئا من حقيقة مستوى خريجي الثانويات العامة في عدد من المدارس الحكومية منها والأهلية للأسف الشديد، في ذات السياق بدأت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بوضع امتحان القدرات ثم التحصيلي، ومن ثم عممت التجربة وأخذت الجامعات بهما وما زالت. وللحديث عن الجهود الرسمية المبذولة في سبيل تحقيق جودة التعليم والقياس الدقيق لمستوى الطالب سواءي التعليم العام أو الجامعي أو التقني والمهني بقية في مقال الجمعة القادمة بإذن الله وإلى لقاء والسلام.