اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
تعد المخدرات آفة من آفات العصر لما يترتب على تعاطيها من أضرار مدمرة، تجعل المتعاطي يفقد عقله ويفسد مزاجه وتنحط كرامته، متنقلاً من جريمة إلى أخرى دون رادع من عقل أو مانع من خوف، متصوراً خلاف الواقع، ومتوهماً من الأوهام ما لم تستوعب ذكره المسامع.
وظاهرة المخدرات ظاهرة عالمية والمتاجرة بها تنطوي على أهداف خبيثة، تستهدف تدمير عقول البشر وتعطيل التنمية وتعكير صفو الحياة في الدول المستهدفة، حيث يتولى تسويق هذه السلعة القذرة والمتاجرة بها جهات دولية، تجمع تحت مظلتها كمّاً من المنتجين والمتاجرين والمهربين والمروجين من مختلف الأقطار والبلدان.
وتختلف درجة الخطورة الظاهرة والمستترة من بلد إلى آخر بحسب درجة الاستهداف وحجم الاقتراف ضد البلد المستهدف من أطراف المخدرات، وكل هذه الأطراف تلتقي عند أهدافها البغيضة ومآربها المريضة التي تبيح لها ممارسة الحرام وارتكاب الإجرام واقتراف الآثام.
والمخدرات أشد خطراً وأبعد أثراً من مرض السرطان وصروف الزمان، لأن ضررها يتعلق بالأخلاق والجانب المعنوي قبل الجانب المادي، ومتعاطيها عضو فاسد وأداة مسمومة في جسد أمته ومجتمعه، وإن لم يعالج هذا العضو الفاسد انتقل سمّه وسرت عدواه إلى سائر الأعضاء وأثّر ذلك على الجسم بأكمله.
وقد انتشر داء المخدرات وعمّ وطمّ حتى أنه لا يوجد دولة في منأى عن أضرار هذا الداء العضال الذي يُلحق الضرر بالمتعاطي في دينه وعقله وخلقه وطبعه، جالباً له الدناءة في نفسه والمهانة أمام مجتمعه لما يعانيه من ضياع الهوية والانفصام في الشخصية بسبب العاهة المزاجية والحالة المرضية التي أوصلته إليها المخدرات، وانعكاس ذلك بصورة سلبية على أمن المجتمع وصحته واقتصاده.
والغزو بالمخدرات يعتبر أحد مكونات الحرب الهجينة ومن أشد المكونات تأثيراً بالنسبة لهذه الحرب المُهجنة ذات الطبيعة الملونة التي تمثل تجارة المخدرات والجرائم المرتبطة بها مكوناً أساسياً من مكوناتها المركبة والمختلطة، وما تتسم به من البيئة المتسيِّبة والمسؤولية المغيَّبة.
وثمة علاقة وثيقة بين المخدرات والإرهاب لوجود مصلحة مشتركة وعلاقة متبادلة بين الطرفين، فالمخدرات تشكل مادة دسمة لتغذية الإرهاب وتمويله بالمال والسلاح، والتنظيمات الإرهابية توفر المساعدة والحماية لتجار المخدرات أثناء عملية التهريب والترويج في الأماكن الحرجة، علاوة على ما قد يجمع بين الطرفين من استهداف طرف ثالث بالتدمير وسوء المصير.
وتجارة المخدرات تلعب دوراً خطيراً عندما تستخدم من قبل أجهزة استخباراتية وجهات معادية ضد دولة ما عن طريق استهداف هذه الدولة بالتدمير نتيجة لإغراقها بالمخدرات لإفساد شبابها وزعزعة استقرارها واستنزاف مواردها.
والمملكة شأنها شأن غيرها من الدول تعاني من آفة المخدرات وتشن حرباً ضدها من خلال الجهات المسؤولة عن مكافحة المخدرات، مستخدمة جميع الوسائل الوقائية والعلاجية لوقاية المجتمع وحمايته من هذه الآفة من جهة، ومعالجة حالات التعاطي من جهة أخرى مع الضرب بيد من حديد ضد المتاجرين والمهربين والمروجين، واتخاذ التدابير اللازمة على المستوى القريب والبعيد للسيطرة على الداخل، وتحصين المجتمع عن طريق توعيته ووقايته من جانب، والتصدي لعمليات المتاجرة بالمخدرات وحالات التهريب والترويج لها من جانب آخر.
وفي هذا العصر الذي أصبحت فيه المخدرات مكوناً أساسياً من مكونات الحرب الهجينة ومحركاً فاعلاً من محركات الإرهاب، وأداة من أدوات الاستخبارات والتنظيمات العميلة والمليشيات الدخيلة، كان لابد للمملكة من التحسب والتحوط لذلك للحفاظ على أمنها واستقرارها واستمرار مسارها التنموي، وتفويت الفرصة على من يحاول استهدافها بالمخدرات لإفساد شبابها وشاباتها وتعطيل تنميتها وتأخير نهضتها من قبل العدو المتربص المبتز والحاسد المتلبس المنتهز.
وتأسيساً على ما سبق وانطلاقاً من أن العداوة عندما يخالطها حسد لا تنفع معها الحيلة، ولا تجدي فيها الوسيلة، فإن التنظيمات والمليشيات المتمردة على دولها في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق بدافع من الحسد والعداوة دأبت على تهريب المخدرات إلى المملكة مستخدمة مختلف وسائل التهريب والترويج دون أن تراعي حرمة الانتماء الديني والقومي وحرمة الجوار، الأمر الذي يحتم على المملكة مواجهتها بحزم لإفشال مؤامراتها واتقاء شر مخدراتها. وفي ظل هذا الوضع غير المريح صدرت توجيهات الملك سلمان أيده الله إلى ولي عهده الأمين بإعلان الحرب على المخدرات وهي حرب مقدسة تدافع عن الدين والأخلاق، وتحمي مقاصد الشرع والمصالح المعتبرة، وتهدف إلى توعية المجتمع وتطهيره من أدران المخدرات، وما يعنيه ذلك من الربط بين مسؤولية الدولة والمسؤولية المجتمعية والمسؤولية الفردية من خلال تكاتف وتعاون جميع فئات الشعب وكافة عناصر المجتمع في عملية المكافحة والحملة ضد المخدرات.
وهذه الحرب المعلنة والحملة التي أطلقها ولي العهد لمحاربة المخدرات تعد حملة غير مسبوقة من حيث الكيفية والحيثيات والمضامين، وما تنطوي عليه من مقاصد، وتهدف إليه من أهداف، تضع المتاجر بالمخدرات والمهرب والمروج لها تحت المهجر وأمام الأمر الواقع، كما تضع وطنية المواطن ودينه وأخلاقه على المحك ومسؤولية المقيم وأمانته في المعترك.
وعلى المستوى الخارجي تهدف الحملة إلى تعرية وكشف التنظيمات الحاسدة والمليشيات الفاسدة ومنْ يقف خلفها ومواجهة الجميع بحزم من أجل حماية الحدود لقطع دابر التهريب من الخارج، وبالتالي حماية الداخل من الترويج، وقطع الطريق على المتاجر الفاجر والمستفيد الغادر سواء من الخارج أو الداخل مع الأخذ في الحسبان أن هذه الحملة لم تطلق من فراغ وإنما تجمع بين المكافحة المعلنة والسياسة المرنة والمتابعة الفطنة التي تحسب لكل أمر حسابه وتضعه في نصابه، وتستدل بالموجود لمعرفة المفقود.
وعلى المستوى الداخلي فإن هذه الحملة الموفقة تضمنت إخضاع الجميع للفحص والتحليل بعيداً عن السرِّيّات المفتعلة والمجاملات القاتلة التي يستغلها ضعاف النفوس لتجاهل المحذور والوقوع في المحظور، وهو إجراء خليق بالتمجيد والإطراء لما يترتب عليه من كشف أضرار المخدرات، وما لها من تأثير مدمر لا يقتصر على المتعاطي فحسب، بل يتعداه إلى المجتمع بأسره.
وتعميم الفحص والتحليل بحيث يشمل جميع المرافق التعليمية والمؤسسات الحكومية والخاصة يُشكل ذلك مرجعاً لتعميم التوعية حيث إن هذا التعميم يعد نقطة مرجعية ينبثق عنها ويتمحور حولها الوعي الشامل والفهم الكامل لكل ما له علاقة بالمخدرات والجرائم الناجمة عن ارتكابها والعقوبات المفروضة على المتورطين في هذه الجرائم، وما يقود إليه هذا الوعي من فهم أسرار المخدرات وأضراها والإجراءات الوقائية والعلاجية التي تتخذها الدولة ويخضع لها المواطن في سبيل استتباب الأمن وسلامة المجتمع وخدمة التنمية.
وحملة المملكة ضد المخدرات تضع في أولوياتها ضرورة المحافظة على مكتسبات رؤية 2030 وتعزيز مستهدفاتها التنموية وعدم المساس بها أو عرقلتها من قبل أولئك المتربصين والمتآمرين الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله مع التوسع في مشاريع الرؤية والاستمرار في مسيرة المملكة التطويرية ونهضتها الداخلية وتطلعاتها الخارجية وكل ما من شأنه ضمان أمنها واستقرارها وازدهارها واستمرارها وتنمية استثماراتها الاقتصادية والرفع من مستوى قواتها الأمنية والعسكرية، وصيانة إنجازاتها، ومكتسباتها المادية ،والمعنوية.
ومن مستهدفات الحملة الماثلة وإنجازاتها الحاصلة إطلاق يد القوات الأمنية والجهات ذات الاختصاص للقيام بشن الحرب بلا هوادة ضد مهربي المخدرات عبر الحدود والمروجين والمتعاطين لها في الداخل، وقد حققت الأطراف المشتركة في هذه الحرب أهدافها، وأثمرت جهودها في فترة زمنية قصيرة توطئة للحملة المنتظرة.