زكية إبراهيم الحجي
في نهاية القرن السابع عشر صدر للكاتب الفرنسي (لابرويير) كتاب بعنوان «الطبائع» سجل فيه انطباعاته عن البشر المهووسين بجمع الكتب، وقد كان بارعاً في تجسيد تركيبة إحدى الشخصيات التي تتوارى خلف كومة كتب يجمعها ليس إلا بل يتباهى بأعدادها.. وللأسف هذا حال كثير من الناس في وقتنا الحالي تجده يشعر بالبهجة بكل كتاب جديد يشتريه ليكون مصيره رف مكتبته بدعوى لم يجد وقتاً للقراءة.
إنها الرغبة في اكتناز أكوام لا نهاية لها من الكتب وهذا ما يُطلق عليه بجنون الكتب أو هوس جمع الكتب لأن عاطفة جامع الكتب تقف على حالة من الفوضى تبدو له وكأنها نظام لينتهي حاله كذاك الذي أبدى إعجابه بمكتبته ثم راح يسأل نفسه السؤال التقليدي (هل قرأتُ كل هذه الكتب) ويجيب هو نفسه على سؤاله.. لم أجد الوقت المناسب لكن يوماً ما سأقرؤها. هكذا هي حياة جامع الكتب إنها حالة توتر جدلية بين قطبين متنافرين الفوضى والنظام عندما نقرأ تاريخ الأمم السابقة نجد أن أهل الأندلس وصِفُوا بأنهم أشد الشعوب اهتماماً بخزائن الكتب حتى أنهم كانوا يفضلون اقتناء الكتب على شراء الملابس.. وأصبح اقتناء الكتب لديهم علامة من علامات الفخر وفخرهم يعود إلى أن ما يجمعونه من كتب كان لصالح طلاب العلم وتنشيط الحركة العلمية والثقافية في بلاد الأندلس والارتقاء بمستوى الفكر وليس الجمع من أجل الجمع.
في هذا المقام تحضرني قصة تُروى عن كيف بدأت عملية تكديس الكتب.. قصة لأشهر أخوين عاشا في أمريكا في منزل كبير وسط عائلة ثرية أُصيب أحدهما بالعمى فتفرغ الآخر لرعايته وجمع الصحف التي كان يحب قراءتها على أمل أن يعود له بصره ليقرأها.. استمر في التكديس حتى امتلأ المنزل ومع مرور الأيام بدأت تنبعث رائحة كريهة من المنزل وبعد البحث وُجِدت جثة أحد الأخوين تحت أكوام من الكتب المكدسة أما الآخر فكانت جثته ملقاة تحت أكوام من الكتب وعلى بعد أمتار من جثة أخيه. عزيزي قارئ المقال سواء كنت من هواة تكديس الكتب على أمل أن تجد المعلومات طريقها إلى عقلك أو كنت من عشاق التفاخر بكتب مكدسة رغم أنك عزفت عن القراءة فعليك أن تحاول القراءة راغباً لا مرغماً.