الثقافية - كمال الداية:
صدر كتاب: «مشاهير التقيت بهم - كواليس ماوراء اللقاءات»، للدكتور: محمد بن عبدالله العوين، من القطع المتوسط، ويقع في 335 صفحة، ويضم الإصدار لقاءات قام بها المؤلف عندما كان يعمل في الصحافة والتلفزيون، وهي حوارات مع 24 شخصية تتعدد مشاربهم وتخصصاتهم من الأدب إلى الثقافة فالفن، ويضم الكتاب في آخره ملحقًا للصور وضع فيه المؤلف لقات جمعته مع الذين التقى بهم.
يقول العوين في تبيانه لفكرة الكتاب: خلال أربعين عاما من رحلة عملي في الإعلام بين إذاعة وتلفزيون وصحافة التقيت بمئات من الشخصيات الأدبية والفنية والعلمية المشهورة من رجال هذا الوطن العزيز ومن الوطن العربي.
لا أعلم لم أصبحت متخصصا أو شبه متخصص في برامج «الحوار» منذ عام 1400ه إلى أن ودعت العمل الإذاعي والتلفزيوني؛ ولكنني وجدت نفسي اتنقل من برنامج حواري إلى آخر، وهذا يعني أنني اضطررت إلى اصطياد ضيوف مناسبين للحوار معهم والخروج منهم بآراء تكشف شخصياتهم للجمهور مستخدما أساليب مختلفة لا تخلو من المكر والمخاتلة - أحيانا- لجرهم إلى منطقة الاعتراف بالرأي.
ولئن بثت تلك اللقاءات مع المشاهير واطلع جمهور المستمعين والمشاهدين على ما استطعت الوصول إليه من كشف أولئك النجوم؛ فإن ما لم يبث أو يدون في الحوارات من الانطباعات الشخصية والمواقف والقصص أكثر وأهم بكثير مما التقطه ميكرفون الإذاعة أو دونته كاميرا التلفزيون أو حبرته الصحيفة.
ما لم يقل أو يكتب أكثر تشويقا وأعذب حديثا وأمتع قصصا من المعلوم الذي ظهر للناس، ذلك أن جل النجوم والمشاهير يظهرون للناس الجوانب الرسمية في شخصياتهم ويسعون إلى التكتم على الجوانب العفوية الجميلة والآراء الذاتية الشجاعة الأقرب إلى الحقيقة من الأحاديث الرسمية التي يغلب على كثير منها المجاملة أحيانا أو مراعاة حساسية المجتمع من بعض القضايا المثارة في الحوارات.
وقد نشرت في كتابي مواجهات الجزء الأول منه نص أربعين حوارا مع نخبة مختارة من النجوم موثقا بالصور، وانتهيت من تفريغ حوارات الجزء الثاني؛ ولكنني لم أفرغ لنشره، وهو موثق بالصور أيضا، وقد عاد إلى الجزء الأول باحثون أكاديميون في القضايا التي مستها الحوارات أو في الشخصيات المستضافة.
وقد حان الوقت لتدوين «العفوي» مما لم ينشر عن تلك الشخصيات الشهيرة، والملاحظات التي التقطتها في أثناء اللقاءات، والانطباعات الشخصية التي التصقت بذاكرتي عنهم، أي أنني استعدت استرجاع لحظات تلك الحوارات وما تم فيها وكيف تكونت الصورة الذهنية في وجداني عن كل واحد منهم، والمواقف الغريبة أو المفاجئة أو المثيرة للتعجب عند بعضهم مما لا يعد محسوبا في باب «المجالس أمانات».
حدث مثلا أن أحدهم تم جرجرته في بين ذوقين مع الطرف الآخر الذي يتناقض معه في آرائه جملة وتفصيلا واندفع وتحدث وسررت بالمواجهة الساخنة والجميلة والمثيرة أيضا بين الضيفين؛ لكن أحدهم، دب إليه القلق من آرائه فاتصل بوكيل الوزارة طالبا التسجيل الكامل للحوار، ثم أرفق خطابا طلب فيه حذف ما.
كثيرون لا يظهرون كما هم؛ وإنما كما يريدهم المجتمع، وفي الكواليس وما لم يدون الأجمل والأجدى بالبث والنشر!
وحدث أن «أحدهم انتظر الضيف الثاني في بهو الاستقبال بإذاعة الرياض وانتظرت معه قدوم الشخصية الأخرى الساعة الرابعة عصرا؛ لكنه حين علم باسمه فر هاربا غاضبا ملقيا باللوم علي لاختياري هذه الشخصية للحديث معها!
استضفت أديبا متعدد المواهب (س) فهو قاص وكاتب مقالة وشاعر غنائي وناشر وفنان يعزف على العود ويغني؛ لكن باسم فني ودار الحوار الإذاعي خلاله بين الضيفين في بين ذوقين وبدا الانسجام واضحا على الضيف الأديب الشامل وشاركه الضيف الثاني المزاج الرائق ودفعتهما دفعا إلى مزيد من الاندماج في جو الحوار أو لأقل الجلسة الأدبية والفنية واستمعنا إلى مقاطع مما استطابه ذوقاهما، وفوجئت بالضيف الشامل يغني ويبدع ونسي أنه كان متحفظا في البدء على الاعتراف بأنه صاحب اللقب الفني المعروف وألا نتطرق إلى ذلك، وقبل بث الحلقة بيوم تواصل معي (لم تكن خدمة الجوال موجودة آنذاك) وبدأ حديثه هادئا ثم اندفع فجأة بلهجة أقرب إلى الغضب من العتاب يسألني: ألم أقل لك لا تتطرق إلى أنني أمارس العزف والغناء؟ عليك الآن أن تحذف اعترافي بأنني الفنان (فلان) وتحذف أيضا الأغنية التي أديتها؟ ماذا سيقول عني ربعي وجماعتي؟ أحملك مسؤولية بث هذه الحلقة ثم أغلق الهاتف بحنق أصابني شيء من الوجوم وغلبتني الحيرة؛ إنه يرفض السؤال، وذهبت إلى المخرج نقطع أوصال الحلقة ونزيد من المسامع الغنائية التي طلباها؛ تعويضا عما حذف من حديث الضيف الشامل.
واستضفت الفنان محمد عبده في أول حلقة من بين ذوقين تلك التي بثت بتاريخ 1 / 1 / 1401 هـ مع الأمير محمد العبد الله الفيصل، وكانت فكرة البرنامج الأولى أن يجرى الحوار مع كل ضيف منفصلا عن الثاني، ثم تجمع الإجابات؛ ولكن المخرج (مهدي يانس) لقي عنتا في ترتيب الإجابتين على كل سؤال؛ فتراجعنا عن تلك الطريقة وجمعنا الضيفين معا على طاولة واحدة وفي مكان واحد لاحقا.
اتفقت مع الفنان محمد عبده على اللقاء في استراحة النخيل التي كان موقعها في حي الناصرية، كان الموعد الخامسة عصرا، واستقبلنا بلطفه المعهود وبشاشته التي لا تفارقه، ودار الحديث المتنوع من رأي إلى آخر ثم رفع أذان المغرب؛ فأوقفنا التسجيل وقال: لنذهب نصلي في مسجد الاستراحة القريب، ولكن بعد الصلاة انبرى أحد الوعاظ وبدأ حديثا طويلا يبدو أن ضيفنا الفنان محمد عبده استطابه وأعجبه ونسينا، وطال بنا الانتظار حتى مضى ما يقرب من نصف ساعة يبدو أنه تجاذب فيها أطراف الحديث والنقاش مع بعض الحاضرين، وأتى أبو عبد الرحمن تكسو ملامح وجهه مسحة روحانية طافية وتبدو عليه السكينة، قلت له: لا أعتقد أنك تستطيع أن تسمعنا شيئا لو طلبت منك ذلك؟ قال: كأنك تدري عما في نفسي، لنتجاوز هذا الطلب وندخل على قضايا أخرى.
واكتشفت في داخل فناننا الكبير الشخصية الأخرى التي تفيض إيمانا وشفافية ورضا ومشاعر دينية فياضة.
والفائدة من هذا الموقف التأكيد على أن ما يبث من أحاديث المشاهير ليس إلا الصورة الرسمية، أما الجوانب الأخرى الخفية فهي الأكثر متعة وجمالا وإثارة وغرابة أحيانا أخرى.