عبدالمحسن بن علي المطلق
.. بين تلك «القضايا» التي باتت بعدُ في مرقدها، أعني أنها نُحّيت عن المشهد، ورفع ملفّها من ساح المداولات، لأنها يوم غاث الناس فيها قتلوها بحثاً بلا طائل، وبالذات التي لم يُخلص إليها من سبيل.
إذ يرى بعض الخاصة من الحذاق ألا يمضي المرء جهداً خلف إحداها لا إثباتاً ولا نفياً، وذلك لتوفير-توجيه- الجُهد لما هو أولى لأمته مما لها فيه من حاجة، و من بين تلكم- الترف- مادة «الحجاب»، لكن الذي أنا بصدده ليس الموضوع ذاته، و لا للمعارك التي دارت رحاها يوم كانت المناشط متوجّهةً تلقائه، فكان من جراء ذاك بروز العاطفة على العقل، ما أخذت «حافظ إبراهيم» خلف خليصه «قاسم آمين»، لأنه يحبّـه !، و في ذات الوقت لا يوافقه على تلك الجزئية، فتذكرت مثلا عجيبا (شر البلايا صُحبة من لا يوافقك و لا يُفارقك)!، ألم يُنشئ بيتاً يوم وداعه ..من قصيدة رثاه بها:
إِن رَيتَ رَأياً في الحِجابِ وَلَم
تُعصَم، فَتِلكَ مَراتِبُ الرُسُلِ
والعصمة - بالمناسبة- هي المقام الذي لا يحظ بها غير رُسل الله.. عليهم وبخاصة نبينا محمد الصلاة والسلام، فهم- أي الرسل- معصومون فيما يبلّغون به عن الله سبحانه ومعناها أنهم (لا يخطئون في التبليغ عن الله، ولا يخطئون في تنفيذ ما أوحى الله به إليهم)، كيف والمولى تعالى عصمهم من الخطأ في هذه وتلك، فهي بذلك تكون من خصوصياتهم، وذاك أن (العصم) هو المنع، أي منعهم من ذلك المبلغ.
فالشاهد الذي ننوّه عنه أنّ الحب لا شك يعمي و يصمّ! مما قد تلوّح عندئذ المبالغة ببريق خطابها، ف/لا رَأى في الحُبِّ لِلعاقِلِ
كذا رام وصفا لهذه الجزئية المتنبي..، والذي -ذاته- ابتدر عتابه للأمير الحمداني/يا (أعدل الناس) إلا في معاملتي ...
وكأنه يقول تركت سلْمك الذي اعتدناه (العدل) حين صُوبت عليّ السهام ..! فما بقي إلا أن يجازف بالقول أن ماذا فعلت بمحبك المستهام؟!
وعوداً على بدء أن الحجاب.. يا أحباب لعله من المواضيع -القضايا - التي ضاع جُهد بلا نتيجة مُتفق عليها، أي لم يصل حيالها القوم لكلمةٍ سواء و لهذا أجدني لست متحمسا بتقليب فكري بهذا الموضوع، لأن المشارب تعمقت عند الناس، فقلّ من يحيد عما هو فيه، و لهذا كان من لوازم الردّ على قاسم- يومها- أنك لم تطّلع (ابتدءاً) بأمهات الكُتب.. لتكوّن - بتشديد الواو- قواعدك العلمية (الشرعية)، فتكون بعدها هي منطلقاتك تحديدا قبل ان تتبنّى أي رأي، لا أن تأتي من الغرب و شرّة حماس تدفعك بخاصة أن فئام أمثالك قدِموا من هناك.. فظنّوا أن تقدمهم آت بعد أن أطلقوا لجنس حواء العنان، و لم يكتفو بهذا!
بل إنهم - وبالمقابل- أخذوا على قومهم توقّف (النمو) بداعي كهذا، أو هم أصرّوا على هذا سببا! دركة ما كاد نوعية
ألّا تحيد عن هذا استكباراً، وكأن لسان ما حبّروا خلص بهم إلى أن تعاليم الدين مانعةً حصونها، كموضوع (الحجاب) من المضيّ في خُطى التقدّم، بينما أثبتت نماذج نسائية بلوغها وبكل جدارة مقامات التفوّق على تواجدٍ لحجابها (التام)، أي معتلي هامتها، بالضبط كما هي منزلة تعاليم دينها، وهذا للعلم ما أُسقط بيدي من اتخذوا من تلك الحجة مركبا، فكاد( الصادق) منهم أن يموج مع الغلبة، فيُعيد كافّة حساباته، ولا غرو، لأن (التجرّد..) هو الفيصل بين طالب الحق وبين صاحب الهوى، وهنا لا أُريد أن أزيد أو أبحث عن مزايدة في الأخذ والردّ ..!، فما هذه الأسطر تعدو خاطرةً حضرتني.