يبدأ الكتاب الصادر من دار الفكر العربي بالقاهرة عام 2002م لمؤلفه عز الدين فراج بمقدمة مفعمة بالمبالغة في التقليل من العرب وجعلهم قبل الإسلام لا شيء. ولا شك أن الإسلام غيّر حياة العرب وكان سبباً في تقدمهم وسيادتهم على الأمم في فترة من الفترات، ولكن لا يعني هذا التقليل من العرب كعرق، ووصفهم بصفات قد لا تليق في أمة شرّفها الله لتكون حاملة لرسالته الأخيرة للبشرية.
هناك نقاط رئيسية يمكن استخلاصها من أي كتاب يتكلم عن الحضارة الإسلامية وهي أهمية الترجمة، ودورها في تقدم الحضارة الإنسانية بشكل عام، وحضارة أي أمة بشكل خاص، وكذلك أهمية القائد في نشر العلم وأثره في نقل ذلك إلى شعبه.
عندما يتم الحديث عن حركة الترجمة غالباً ما يُنسب الفضل فيها إلى المأمون مع أن هناك من سبقه إلى ذلك، وهو حسب المؤلف خالد بن يزيد الأموي حفيد معاوية بن أبي سفيان، والذي كان طامعاً في الخلاقة بعد وفاة أخيه معاوية الثاني، ولكن غلبه على ذلك مروان بن الحكم، فانتقلت الخلافة من بيت أبي سفيان إلى بيت مروان، وكما يُقال «رب ضارة نافعة»، فقد كان ذلك سبباً في انصرافه عن الاشتغال بالسياسة وتركيزه على العلم والترجمة.
وهذه إشارة بإن التاريخ عثرات والحضارة نقلات، فتعثر خالد بن يزيد عن طموحه السياسي، أدى إلى أن يكون ذلك سبباً هاماً في نقل علم الحضارات الأخرى إلى المسلمين، فقد كان بالإمكان أن يشغله الحكم، وتتأخر الحضارة الإسلامية زمناً والحضارة الإنسانية أزمانا.
خالد فتح باب علم عظيم، ودائماً من يفتح الأبواب... «خالد»!
الفرق بين التجربتين العربية والأوروبية فيما يخص الترجمة، أن أوروبا كانت بدافع شخصي من علمائها، عكس الحضارة العربية، والتي كانت عبارة عن حركة قام بها القادة والحكام بداية بخالد بن يزيد، والمنصور، والرشيد، والمأمون وغيرهم، فالمترجمين العرب أمثال حنين بن إسحاق، والحجاج بن يوسف بن مطر، كانوا يقومون بالترجمة عن طريق أوامر من الخلفاء، بينما في أوروبا كان الدافع الشخصي غالباً وراء ذلك، فأديلارد أوف باث انطلق من ذات نفسه، وكذلك جيرارد أوف كريمونا وغيرهم، وهذا ما يميزهم، فمترجمي أوروبا غالباً لم يكونوا مجرد مترجمين بقدر ما كانوا أيضاً علماء وراغبين في معرفة وكشف كنوز الحضارة الإسلامية والعربية.
الكتاب مفيد كمعلومات ولكن يعيبه ضعف الأسلوب الأدبي والتشويقي، عكس كتاب «بيت الحكمة» الذي تميز بالإضافة إلى المعلومات بأن أسلوبه الأدبي شيق، والقلم فيه كان يسبح في بحر من المتعة حتى وإن تلاطمت الأمواج.
ومن العيوب كذلك المبالغة في إعطاء العرب الفضل والأسبقية في كل شيء، فكما ننكر على الأوروبيين نظرتهم المركزية حول ذاتهم، فإننا يجب الا نقع في نفس الخطأ.
أخيراً...
الحضارة الإنسانية قائمة على فكرة التراكم الحضاري، فكما أخذنا من قبلنا، فمن أتى بعدنا أخذ منا، وهكذا تُبنى الإنسانية.
ما بعد أخيراً..
لا يوجد كتاب لا يستحق القراءة...
فالقراءة بحد ذاتها قيمة.
** **
- خالد الذييب