د. محمد بن عويض الفايدي
تقييم المواقف، ورشد التوجيه، واستشراف المستقبل بمهارة، والنظر إليه بموضوعية قد لا يستطيع الإحاطة به إلا القليل من الناس.
تُعد القيادة وسيلة التأثير في سلوك الناس وأداة حفزهم وتحريكهم نحو أهدافهم، ومرتكز اتخاذ القرار وجوهر العملية الإدارية والأساس الذي يُبنى عليه الحكم بالنجاح أو الفشل على كافة الأنشطة العام منها والخاص.
التميز القيادي يكشف عن قدرات ومهارات القائد من خلال إتمام المهام بنجاح، ويُبين مستوى الأداء الذي يُترجم كل المعطيات المهارية والسمات الشخصية والخصائص الموقفية إلى ممارسات وتطبيقات عملية تعكسها رؤية واضحة محددة المعالم لها استراتيجيات وخطط مزمنة يُنجزها فريق عمل يسوده التفاهم والتعاون، ويمتلك قدرة على مواكبة التغيير والتفاعل مع المتغيرات وتجاوز التحديات بمهنية تضمن تدفق الإنجازات واستمرار تحقيق الغايات، فإمكانات وقدرات القائد وخصائصه القيادية تظهر من خلال كفاية وكفاءة أداء أتباعه.
تُعد التحديات الحرجة المحك الذي يفضح المستور ويكشف عن الموجود فقدرة القائد على رشد التوجيه وضبط إيقاع الأحداث واتخاذ القرارات الصائبة بشأنها يُحدد معطيات النجاح وعوامل الفشل. ونجاح القائد مرهون وبدرجة كبيرة على البناء المؤسسي لمنظومة القيادة، ومرتبط بمكنة القائد من تأصيل المبادئ والقيم القيادية في الأتباع للعمل بروح الفريق الواحد، واستلهام الروح الجماعية في الأداء الوظيفي الكُلي للمنظومة الوظيفية لكافة المهام وفي كل المستويات، وبتتابع وتناغم بين البيئة الداخلية والبيئة الخارجية.
المنهج التكاملي للسلوك القيادي يعتمد على مقدار القدرة على المزج بين المعارف والمهارات القيادية والإجراءات التنفيذية للمهام والوظائف المختلفة والمتكاملة وفي الوقت نفسه توجيه وتوحيد الجهود وحشد الطاقات والإمكانات لإحداث التفاعل المستمر بين كافة المكونات وجميع المسارات الإنتاجية لتحقيق كفاءة وكفاية الأداء.
اتخاذ القرارات عملية مستمرة تتخطى محددي الزمان والمكان، وتعم كل المراحل الإجرائية. فمتخذ القرارات يمر بمرحلة صنع القرار التي لن تنتهي ولا تتوقف باعتبارها حلقات في دوائر لا نهاية لها كما هو في مجال البرمجيات الحاسوبية.
القيادي المحترف يتخذ القرار الصائب وكأنه يؤسس لمنهج ويؤصل لبصمة لها سماته وخصائصه، وتستمر في رسم نمط قيادته وطريقة إدارته، وأسلوب أدائه، ويُعرف بها لتصبح عادة حياة يعيش عليها ويشتهر بها، ويُعرف من خلالها بأنه في الغالب على صواب. ويُوصف أيضًا بأنه قادرٌ على تحديد الأهداف التي يمكن الاعتماد عليها والقناعة بها، مع قدرته على تحقق الأهداف التي تم تحديدها ولكن باستراتيجياته ومهاراته الخاصة التي تُمكنه من تحقيق تلك الأهداف بطريقة إبداعية قد لا يجيدها سواه، وقد يُعرف فيما بعد بذي الحكمة والقرار الصائب.
التميز القيادي مرجعيته فن إدارة واستثمار البيانات ومهارة تحليل المعلومات بمهنية قادرة على المواءمة بين كمِّ ونوع البيانات وحسن إدارتها وغربلتها وتصنيفها ومقارنتها وتحليلها وأرشفتها ومشاركتها بطريقة آمنة، ومعالجة تحديات البيانات المنعزلة وتدفقها غير الفعال وتكرارها، وعدم وضوح أولوياتها لضمان الوصول إلى البيانات والمعلومات المناسبة في الوقت المناسب وجعل استشراف المستقبل ومواجهة التحديات والحالات الطارئة مبنيًّا على أسس لها مرجعية وقواعد بيانات ومعلومات موثوقة.
النضج التحليلي فن قراءة البيانات وتحليل المعلومات تصاعديًا وتنازليًا كميًا وكيفيًّا وصفيًّا وتشخيصيًّا لفهم تداعيات ما حدث وعوامل حدوثه. ولكي يتحقق النضج التحليلي لا بد من الانتقال إلى التحليلات التنبؤية التي تستشرف المستقبل انطلاقًا من التنبؤ بما سيحدث بدلاً من تحليل الأحداث لاحقًا، وبالتالي تضع القيادة خارطة استثمار البيانات والمعلومات أولوية للانتقال إلى مرحلة اتخاذ القرارات بناءً على القراءة المسبقة للأحداث واستشرافها بدلًا من تحليل الأحداث بعد وقوعها ومن ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي والتفكير الإبداعي والذكاء الاستراتيجي وأدوات التميز المؤسسي لتحسين جودة القرار.
النضج القيادي غاية لا تقود إلى رشد القرار والجودة والتميز والإبداع فحسب ولكن تؤصل لاستيعاب وظيفة الدولة وعوامل نماء واستقرار المجتمع وفهم أسس الاستمرار والبقاء وقواعد المنافسة. ومن ذلك جعل مقومات الأمن القومي أولوية ومحل اهتمام وموضع رعاية، إذ يُعد مقوم ثروة البينات والمعلومات من أهم مقومات الأمن القومي للدول وبمقدار توظيفها استراتيجيًّا واستثمارها اقتصاديًّا كسلعة لها عائدات مالية ربحية تدار بمفهوم المال والأعمال وقواعد المكسب والخسارة وأسس الريادة والنفوذ يقاس بها التمايز ويُحسب بموجبها الفرق بين الدول في مفهوم القوة المعلوماتية التي أصبحت اليوم معيارًا لحجم السيادة، ووسيلة فعالة لفرض الإرادة في ظل تعاظم الصراع بين الدول وسرعة وفجاءة التحولات، وتغير أدوات صراع الإيرادات، مما يجعل من القيادة الآن مهمة مختلفًا عليها في ذات الوقت المزاوجة بين خمسة أسس تتلخص في اعتماد الذكاء الاستراتيجي والتفكير الإبداعي والفكر الناقد والعقلية الرقمية والمنهجية التنظيمية في إستراتيجية القيادة واحترافية الإدارة للمداومة على التوافق القيادي وصواب القرار.